إن
خطورة التعصب الرياضي على الشباب تظهر جليّة من خلال التعرف على مفاسده العديدة،
ومما يُذكر منها ما يلي :
1) كوارث بلا مقدمات
كثيراً
ما تبدأ مظاهر التعصب الرياضي بأصوات عالية أو بتصرفات فردية هائجة ، ثم وبلا
مقدمات يحصل أمر ما يفجر الموقع بكارثة لم يُحسب لها أيّ حساب، ومما يستشهد به على
ذلك حادثة في مباراة في عاصمة البيرو عام 1964م عندما ألغى الحكم هدفاً في الدقائق
الأخيرة خلال مباراة ضد الأرجنتين، فهطل مطر من البرتقال وعلب البيرة من الجماهير
الملتهبة بالغضب، فقامت الشرطة برمي قنابل غازية جعلت الوضع العام في هلع شديد،
ففر الناس إلى أبواب الخروج المغلقة فانحشروا عندها جميعاً وسقط منهم أكثر من
ثلاثمائة قتيل .
2) الخلاف والشقاق
فكم
تسبب التعصب الرياضي من خلاف بين الأصدقاء بل وبين الأسرة الواحدة، والواقع يشهد
بخلافات ومشاحنات بين الزوج مع زوجته أو الأب مع أبنه أو بين الأخ وأخيه، وقد
يزداد الأمر سواء إلى الهجر والمقاطعة أو أكثر من ذلك بضرب مبرح ونحوه من سباب
وشتم ووقاحة عبارات وبخاصة تجاه حكام المباريات فضلاً عن غيرهم .
3) الضرر والإضرار
ولذلك
صور عديـدة، يلمسها الناس مـن خـلال الوقائع المتكررة ومنها :
1- تحطيم زجاجات السيارات .
2- ضرب المارة والعبث بأغراضهم .
3- تعطيل الطرق وتأخير السائقين عن بلوغ مقاصدهم .
4- تحطيم واجهات المحلات والسرقة منها .
5- التصادم مع رجل الأمن والإضرار بسيارات الدولة
.
6- العبث بالسيارات بالتفحيط الجنوني مما قد يؤدي
إلى تلفها أو الإضرار بها .
7- الإساءة إلى مشاعر الناس بالتصرفات الشاذة وقلة
الحياء وسوء الأدب .
وغير
ذلك الكثير من الصور المؤلمة .
4) إشغال أمن الدولة عن واجباتها
فحفاظاً
على أمن المواطنين من العابثين يُستنفر رجال الأمن وعتاده لمواجهة هذه الفوضى
التشجيعية،وبالطبع سيكون ذلك على حساب مراقبة الأمن في أطراف أُخرى .
5) ضياع الطاقات والأوقات
فكم
هي الأوقات التي تمضي في متابعة المباريات تلو المباريات؟ وكم هي الطاقات التي
تصرف في متابعة الأخبار الرياضية وتحليلات الرياضيين؟ ومع هذا وذلك، كم هي الأموال
التي تُبذل في سبيل شراء كل ما يتعلق بالمباريات من جرائد ومجلات وشعارات ونحوها .
6) الإعجاب باللاعبين الكفار والتعصب لهم
فكم
ترى من شباب أغرار يتفاخرون بموضات غربية وقصات شعر شاذة، وما فعلوا ذلك إلا
تقليداً للاعبين الأجانب، أُعجبوا بهم فتلبسوا بلباسهم، ومنهم من أخذ به الانبهار
بهؤلاء حتى علق صورهم الكبيرة في غرفته، وسارع إلى بذل الأموال الطائلة لجمع أفلام
مبارياتهم.. ومفسدة ذلك ظاهرة في تميع البراء من الكافرين، ونسيان عدم جواز التشبه
بهم فضلاً عن أموال تهدر في تبذير لا يحبه الله .
7) الاضطرابات النفسية .
بعض المشجعين يصيبهم
القلق والتوتر الشديد إذا كانت المباراة لفريقه المفضل حيث تجده قبل بداية
المباراة يتحرك إلى أحد الطرق السريعة كي يشغل نفسه بعيداً عن محور أحداث المباراة
وذلك خوفاً من نتيجتها، وربما يستخدم أحدهم إبراً أو حبوباً مهدئة بسبب التوتر
الشديد الذي حصل له قبل المباراة أو في أثنائها
.
8) التساهل بالواجبات .
فكم
سمعنا عن (مشجعين) ممن يتابعون مباريات كأس العالم، أنهم يستيقظون في النصف الأخير
من الليل، ليشاهدوا المباريات على شاشة التلفاز، وتفوتهم صلاة الفجر؟! ومنهم من
يقدم مشاهدة المباراة على الهواء مباشرة على حضور صلاة الجمعة سواء بحضورها في
المدرجات أو بمتابعتها من خلال الفضائيات!!
9) الانشغال بالتشجيع عن قضايا الأمة .
فإن
الواقع يشهد أن المتعصبين لهذه المباريات يحملون همها وينشغل تفكيرهم بها،
ويتناسون معها قضايا الأمة الكبرى، ومنهم من يموت عنده الحس الإسلامي فلا يأبه
بتشريد أو تقتيل إخوانه من المسلمين ولا يحزن لتدنيس مقدسات الإسلام، ومعلوم أن
هذا ما يرتجيه الأعداء منا كما ذكر اليهود في بروتوكلاتهم.
إلى
غير ذلك من مفاسد لا يتحمل هذا المقال سردها .
* عـلاج آفة التعصب
الرياضي .
إن
ما تقدم من حديث عن المفاسد الكثيرة لهذه الآفة ليؤكد أهمية البحث عن علاج يُطفئ
هذه الحماسة الطائشة والهيجان الفوضوي، ومما ذكره المتخصصون في سبيل تحصيل ذلك أو تقليله
ما يلي :
1) توعية الشباب بالفرق بين التنافس الرياضي
الطبعي والتعصب الممقوت .
فينبغي
أن يستوعب الشباب أن التنافس الرياضي المحمود هو ما كان روحاً للاعبين يستقون منه
الشعور بالتحدي وفعالية الخصم حتى لا يحصل الفتور والامبالاة فتفقد اللعبة
عصبها الحيوي .
بينما
التعصب الرياضي آفةٌ وزيادة في الحماسة تخرج اللاعبين عن ثمرة هذه اللقاءات (وهي
حصول التآلف والمحبة وتنشيط الأبدان)، وتكون النتيجة عكسية فتُزرع الخصومة
والبغضاء وإيذاء الأبدان بين الجماهير المُشجعة .
2) تفريغ طاقات الشباب البدنية في ما ينفعهم .
فإن
المتأمل لواقع كثير من المشجعين يجد أن علاقتهم بالرياضة مجرد التصفيق والتطبيل،
أما ممارستهم الفعلية للرياضة فسلبية للغاية، ولذا لابد أن يوجه هؤلاء إلى تفريغ
طاقاتهم فيما ينفعهم، وميدان الألعاب الرياضية النافعة واسع يقبل تعدد ميولات
الشباب وطباعهم .
3) العقوبات
الصارمة للفوضويين .
فإن من أمن
العقوبة أساء الأدب، والفوضويون الذين يستغلون حماسة المشجعين الرياضيين ينبغي أن
يوقفوا عن مهاتراتهم وأن يُؤدبوا على تجاوزاتهم، وبذلك يسلم المجتمع من تخريبهم،
وتكون هذه العقوبات رادعاً لمن أراد أن يقتدي بهم أو يتحمس لأفعالهم المشينة .
4) التربية
الإسلامية والتنافس المحمود .
أثبتت التجربة
الواقعية للمراكز الصيفية (والتي أخذت على عاتقها تربية الشباب تربية إسلامية) أن
المباريات الرياضية بتنافس لا يتجاوز الحدود أمرٌ ممكن، وذلك أن التنافس هنا لا
يتعدى الأخوة الإسلامية، ولا يسمح فيه بسوء الأدب أو تحطيم الولاء للمؤمنين، وبذلك
وبغيره تبقى الرياضة في حدودها المباحة بعيداً عن البذاءة والفحش في الأفعال
والأقوال ..
5) تربية
الشباب على الاعتزاز بهويتهم .
فينبغي على
الشباب المسلم أن يعتز بهويته الإسلامية وضوابطه الشرعية، وأن لا يتشبه باليهود
والنصارى في طرائقهم في التشجيع والتعبير عن فرحهم، ومعلومٌ أن الإسلام يأمر
بالاستقلالية والتميز، والنصوص الشرعية الدالة على ذلك كثيرة، منها :
قوله صلى الله
عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) .
ولذا حريٌّ
بالآباء والمربين أن يغرسوا في الشباب اعتزازهم بهويتهم وعدم قبول ما يفعله شباب
الغرب، وأن يترفعوا عن تقليدهم في الرقص الجماهيري، وتلطيخ الوجوه بأصباغ شاذة
المنظر وما شابهما من سفه .
6) وضع ضوابط
حازمة على الصفحات الرياضية .
ويُراد من هذه
القيود تحصيل مصلحة عرض الخبر الرياضي دون اقترانها بتجاوزات غير أخلاقية، ومن هذه
الضوابط :
1-
منع التجريح أو التهجم على الأشخاص .
2-
منع الكتابات التي تمتلئ تعصباً ممقوتاً .
3- التعاطي مع جميع الألعاب الرياضية المفيدة وعدم
التركيز على كرة القدم .
وحريٌ
بهذه الصفحات أن تكون منبع خير وفائدة، وأن توسع من دائرة مجرد عرض الأخبار
الرياضية إلى التوعية بالرياضات المفيدة والتعريف والبيان لآخر الدراسات المهمة في
هذا الجانب .
7) الحزم مع اللاعبين العابثين .
فاللاعب
العابث محط أنظار الكثيرين من المعجبين، فإن كان قدوة في هيئة وتصرفاته، صار لذلك
أثره على الآخرين وإن كان عابثاً وقحاً اقتدي به غيره، لذا فالواجب على القائمين
على الشؤون الرياضية أن يجعلوا العقوبات العديدة على كل من يجاهر بوقاحته وصلفه أمام
الجماهير، ومن جميل ما ذُكر في ذلك أن بعض الدول الإسلامية قررت منع اللاعب من
تمثيل فريقه إن ظهر عليه التجمل بقصات شعر غربية .
8) التربية على الروح الرياضية الإسلامية .
إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعُ لنا المثلَ الأعلى في الروح الرياضية ، فليتنا
نعي الدروس والعبر !!.. فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت العضباءُ
(ناقة النبي ×) لا تُسبق، فجاء أعرابيٌّ على قعود له فسابقها فسبقها، وكأنَّ ذلك
شقَّ على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المربي العظيم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ينتهز الفرصة، ليعلمهم الروح الرياضية، ويعطيهم درساً في أن الجلوس على
القمة في الدنيا لا يدومُ لأحد فقال عليه الصلاة والسلام: (إن حقاً على الله عز
وجل ألا يرفَع شيئاً من الدُنيا إلا وضعه) رواه البخاري .