بين الحين والآخر تجد شباباً يترنحون على الأرصفة
إلى منتصف الليل وبصورة جماعية، وقد تجدُهْم في المطاعم في وسط النهار وهم عاطلون
عن العمل بعدما فروا من الدراسة النظامية، فلا هم جاهدوا أنفسَهُمْ على ذلُ
التعلم، ولا هم صبروا على مشقة العمل وانضبطوا فيه.. يعيشون بطالةً وفراغاً مُملاً
تراهم بأشكالٍ رزينة لكنهم خواء.. وقد تجلسُ مع أحدهم وتحاوره فيتذمر من شُح
الوظائف، ومنهم من يشتكي ضَعفَ الرواتب وآخرون يعتذرون لأنفسهم أن الوظائفَ
الموجودة لا تليقُ بمثلهم وما الحلُ مع هذه المبررات؟ لسانُ حالهم يقول سنبقى على
ما نحن عليه نومٌ في النهار يعقبه أكلٌ وتلذذٌ بالمطاعم ثم سهرٌ بالليل والناسُ
نيامُ وأما توفيرُ السيولةِ المالية فيحصلُ بالإلحاحِ على الوالدين وبالاستدانة من
الإخوان وأحياناً باللجوء إلى الفوائد الربوية – والعياذ بالله- .
ومن هؤلاء الشباب من يجلسُ شهوراً على هذه الحال
ومنهم من يجلسُ سنوات ينفرون من الدراسة الليلية المجانية ويفرون من أعمالِ
الخدمات العامة ويرفضون الوظائفَ التي تُلزمُ بفترةِ تدريبٍ فني قبلَ مباشرةِ
العمل ويتكبرون على الأعمال المهنية.. ثم ماذا؟
تمر الأيامُ وهم في بطالةٍ وخمولٍ فيشعرون بعد
حينٍ بنظراتِ الناس أليهم ويستشعرون باحتقار البعضِ لهم ويذوقون ذُل السؤالِ لما
في أيدي الناس وتحصل لهم مفاسدٌ عديدة ومن ذلك :
1- أن يعيشَ الشابُ لجسمه وبدنَه وعقله، ينامُ
ليرتاح ذلك الجسد ويأكلُّ ليُشبعَه ويلبسُ أحسنً الثياب ليجملُه وهذا خُسرانٌ بيّن
وقد قال الأول .
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمتـه أتطـلب الربحَ مما فيه خسرانُ
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
2- ضياعُ الأوقات والتفريطُ في الصلوات فهم قد
جعلوا الليل سهراً وسمراَ والنهار نوماً وأحلاماً .
3- الشعور بالإحباطِ والمللِ وقد يتعدى الأمرُ إلى
الإصابةِ باضطرابات نفسيةِ أو استسلامٍ للوسواس والاوهام .
4- العُزلةُ عن مجالس الرجال والابتعادُ عن
نظراتهم وأحياناً يعتزل هؤلاء تجنباً للانتقادات الصريحة لهذا الشاب العاطل أو ذاك
أمام الآخرين.
5- التعرف على العاطلين والدخول في دوامة السهرات
وتبادلِ الممنوعات وقد ينتهي الأمر إلى مُسكرات ومخدرات .
6- الدخولُ في معمعةِ الأفكارِ الإجرامية والثورية
وتقبلُ الأقوال الشاذة .
7- أن العاطل عن العمل ينسى كَلَّ ما تعلمه من
مهارات وبسبب عدم اختلاطه بالعُقلاء وأهل الخبرة تراه لا يُحسنُ التعاملَ مع
الآخرين ويغرقُ في الفوضوية إلى قمة رأسه .
8- اعتيادُ الأمور الهزيلة ونفاذُ الصبر عن ركوب
المسالك الجادة النافعة .
إلى غير ذلك من مفاسدَ على الشباب حينما يرضون
البطالة قرينةً لهم في حياتهم .
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للشباب أيُّ مفسده
ولا شك عندنا ولا ريب أن من أسباب الإقبال الشديد
على ( الفضائيات) و (مقاهي الانترنت) والغرقُ في أوحال (العشقِ والمُحرم والهيامُ
والغرام) الفراغُ الذي يعيشهُ الشباب العاطلون عن العمل ولذا نلتفت لهؤلاء ونذكرهم
أن أي عملٍ مباح وأي طريقٍ للكسب الحلال فهو أولى وأجدى من هذه البطالة المُدمرة
ونقول لهم: اعملوا في أي وظيفة مباحة ولو كانت لا تليق في نظركم .
ولذا يقال لكل شاب عاطل عن العمل :
* أنسيت أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يرعى
الغنم لخديجة رضي الله عنها قبل زواجه بها .
* وكان يقول عن أفضل الكسب (بيع مبرور وعملُ
الرجل بيده) .
* أنسيت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا
يتاجران بين الحين والآخر .
* وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (
قدم عبدالرحمن بن عوف المدينة فأخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن
الربيع الأنصاري فقال سعد لعبدالرحمن اختر إحدى زوجتي فانزل لك عنها واختر من مالي
ما شئت قال عبدالرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك: دلوني على السوق فأتى السوق
فربح شيئاً من أقط وشيئاً من سمن فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه
وضرٌ من صفره (طيب) فقال صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عبدالرحمن ما القصه؟ ما
الخبر؟ قال رضي الله عنه: تزوجت يا رسول الله قال: فما أصدقتها قال: وزنَ نواةٍ من
ذهب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : أولم ولو بشاة" .
فانظر إليه يدخلُ إلى السوق بلا دينار ولا
درهم ويشتغلُ بخبرته ويبذلُ السبب فيوفقهُ الله ويفتحُ عليه فإذا به يمتلكُ الزوجة
والمال واستغنى بذلك عن اللجان والخيرية ومساعدات الأغنياء .
* وقد قال سفيان الثوري رحمه الله: ( عليك بعمل
الأبطال الكسب من حلال والإنفاقُ على العيال) .
* وكان أبو قُلابه يوصي أبا أيوب السُختياني فيقول
له: ( الزم السوق فإن الغنى من العافية ).
ولذا يقال : حريٌ بالشاب أن يعمل في أي وظيفة
مباحةٍ ولو كانت ضعيفةُ الراتب فإن من الأعمال ما يستفيدُ الموظفُ المهارات
والخبرات والتي لو بحث عنها في أطراف الدنيا وبذل لها الأموال لم يجدها .
1- أحدَ الشباب عملَ في مؤسسةٍ علمية لها علاقةٌ
ببرمجة الحاسب الآلي عَمل كاتباً بسيطاً لا يُلتفت إليه وبراتب ضئيل وخلال شهور
استفاد كثيراً في مجال البرمجة وجمع من رواتبه مبلغاً وشارك في دورة في نفس المجال
على حسابه وبعد سنةٍ تقريباً أصبح من أجود الفنيين في صيانة أجهزة الحاسب فكانت
تلك الوظيفة المتواضعةُ طريقهُ إلى مهارة كم يخطبُ ودَّها شركاتٌ وشركات .
2- وشاب آخر ضاق ذرعاً بالدراسة النظامية وليس معه
إلا الشهادة المتوسطة نظر في نفسه فإذا هو الوحيدٌ من إخوانه الذي لا ينتفعُ من
يومه (لا تعلم ولا عَمل) فأصبح سائقاً لشاحنة ثم تمرُ الأيام فإذا به يتخصصُ في
شراء الشاحنات ويبعها ثم أصبح يستوردُ الشاحنات من الخارج ويتكسبُ من ذلك حتى
أغناه الله من فضله ثم أفتتحَ ورشةً لصيانةِ الشاحنات وزاده الله غناً وتوفيقاً .
3- وشاب آخر كانت البدايةُ بيع الجوارب فكان يأخذُ
بالدين مجموعة ويبيعها مفردةً وتمرُ السنوات فإذا هو أكبرُ موردٍ للجوارب .
4- وشاب آخر انقطع عن الدراسة قبل أن ينتهي من أخذ
الشهادة المتوسطة فدرس دراسةً ليلية فأنهى المتوسطة ثم درس الثانوية فأخذ الشهادة
ثم انتسب في الجامعة وحصل على درجة البكالوريوس وهو الآن مديرٌ معروف في إحدى
القطاعات .والأمثلة في ذلك كثيرة يضيق المقام عن ذكرها .
* فوائد ترك البطالة :
وفي ترك البطالة والحرص على ما ينفع فوائدٌ عديدة
منها :
1- إذا أرضيت ربك واهتديت بهدي رسولك صلى الله
عليه وسلم وسددت في ذلك وقاربت، ثم اشتغلت بطلب الرزق من طريق حلال، أليس في ذلك
تبرئة لنفسك من الاشتغال بالمعاصي والآثام ولو أنك سئلت يوم القيامة عن شبابك فيما
أبليته فكان الجواب العملُ بالواجبات وتركُ المحرمات والاشتغالُ بالكسب الحلال،
ألست بذلك تنجو من ذنوبٍ وسيئات لو كنت فارغاً عاطلاً لوقعت فيها ولغرقتٍ في وحلها
.
2- أن الله كتبَ الأرزاق وجعلَ لها أسباباً
ومجاهدةُ النفس على التكسب طريقٌ إلى الاستغناء عن السؤال واستجداءٍ الآخرين فإذا
اجتمع مع التكسب تقوى الله جاء الرزق من حيث لا يحتسبُ المرء (ومن يتق الله يجعل
عله مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).
3- بالعمل المباح يتربى المرء على الجدية
والانضباط وينفك عن آفات الخمول ويُجنب نفسه القلق والملل والإصابة بالوساوس
والاضطرابات النفسية .
4- اكتساب المهارات الشخصية وتطوير الذات والشعور
بالمسئولية والرجولة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق