خلق الله الناس ما بين محب لنفسه معتزل لغيره وما بين محب
للجماعة متعاون معها ،فأما من اعتزل الناس فلم ينفعهم بشيء فقد عصى الله في أوامر
شرعية كثيرة كنشر العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على المحتاج..
وقد
يلقى الشخص بسبب اختلاطه بالناس أذى ولكن بالصبر والحلم يجد عند الله الثواب والأجر، قال النبي صلى الله
عليه وسلم ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط
الناس ولا يصبر على أذاهم ) رواه أحمد ،وأما
الذين يخالطون الناس ويتعاونون معهم فإن الله يحدّ حدوداً لهذا التعاون فليس المطلوب
التعاون مع الآخرين على كل حال بل قال الله تعالى في محكم كتابه : ( وتعاونوا على
البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) قال المفسرون في هذه الآية :يأمر الله
تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر , وترك المنكرات وهو
التقوى وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) فقال :
هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه . و في هذه الآية ينهى الله عن
التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم .
وقال العلماء : فهو أيضا يقتضي التحذير من الشر وعدم التعاون
مع أهل الشر، فلا تعين أخاك على ما يغضب الله عليه، ولا تعينه على أي معصية بل
تنصح له في تركها وتحذره من شرورها، وهذا من البر والتقوى. وإذا أعنته على المعصية
وسهلت له سبيلها كنت ممن تعاون معه على الإثم والعدوان، سواء كانت المعصية عملية
أو قولية كالتهاون بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو حج البيت أو بعقوق الوالدين
أو أحدهما أو بقطيعة الرحم أو بحلق اللحى أو بإسبال الثياب أو بالكذب والغيبة
والنميمة أو السباب واللعن أو بغير هذا من أنواع المعاصي القولية والفعلية، ويدخل
في الإثم جميع المعاصي.
أما العدوان فهو
التعدي لحدود الله والتعدي على الناس أو التعدي على ما فرض الله بالزيادة أو
النقص، والبدعة من العدوان لأنها زيادة على ما شرع الله، فيسمى المبتدع متعديا
والظالم للناس متعديا والتارك لما أنزل الله آثما متعديا لأمر الله، فاقتراف
المعاصي إثم، والتعدي على ما فرض الله والزيادة على ما فرض الله والظلم لعباد الله
عدوان منهي عنه وداخل في الإثم..
صور من التعاون المحظور:
الله تعالى ينهى فيقول :( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )
وتجد من الناس من يتعاون مع زملاء وظيفته في غش الدولة في تحضير الغائبين وانتداب
القاعدين وهكذا الطلاب يتعاونون مع قرناء الدراسة على الغش في الاختبارات وقد قال
الله تعالى عن المؤمنين أن من صفاتهم أنهم راعون للأمانة التي بين أيديهم قال تعالى
(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من غشنا فليس منا) أي ليس على أخلاق
الإسلام التي ربانا الشرع عليها.
وتجد من أصحاب الشركات من ييسر للناس الربا والسفر إلى مواقع الفجور والزنا أو
يوفر لعامة الناس المطاعم المحرمة كالدخان أو يسوق لهم الصور والأغاني والأفلام
المحرمة وقد جاء في فتاوى اللجنة
الدائمة : ( لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك
تعامله بالربا ، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي ؛ لتوفيره لموظفيه
الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية .
ومن ذلك تصنيع الخمور والمسكرات وتوفيرها للمدمنين فعنِ
ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لُعِنَتِ الخَمْرُ على
عشَرة وجوه: لُعِنَتِ الخمر لعيْنِها، وشاربِها، وساقِيها، وبائعها، ومبتاعها،
وعاصِرِها، ومعتَصِرها، وحاملها، والمحمولةِ إليه، وآكِل ثَمنِها))؛ رواه الإمام
أحمد، وابْنُ ماجه، وأبو داود، ولفْظُه: ((لَعَنَ اللَّهُ الخَمر)) - ولم يذكر:
((وآكل ثمنها)).
ومن دل على حرام أو يسر للناس الإثم فإن عليه وزره و وز من عمل
بسيئته قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام
من إتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا . )
والمطلوب هو ما أمر الله به : (وَذَرُواْ ظَاهِرَ
الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا
كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) [الانعام 120]
ذاك ما نهى الله عنه وهذا ما أمر الله به فعلينا أن نسمع ونطيع
ونستجيب وهذا من كمال الإيمان ومن تحقيق العبودية لله سبحانه.