الجمعة، 15 يوليو 2016

كيف نحقق العفاف في حياة الشباب ؟

وفي ظلال الشرع الحكيم يمكنُ للإنسان الطاهر ، أن يسمو بإحساسه ، ويعلو بميوله إلى تاج العفة ، وتحقيقُ ذلك يرجعُ إلى أسباب وعوامل عديدة منها :
أولاً : تقوية الإيمان .
فأعظم عاصم من مقارفة الفواحش ، وأكبرُ رادع عن الوقوع في المحرمات ، أن يقوي العبد إيمانه بالله عز وجل ، وذلك لا يكون إلا باستشعار عظمة الله ، كما قال أحدُ السلف : " لاتنظر إلى صغر المعصية ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت " ، وبدوام ملاحظةِ رقابة الله ، قيل لأحد السلف : كيف نعفُ البصر عن الحرام ؟    قال : " عِلمُك بأن نظر الله إليك أسبقُ من نظركَ إلى   ما حَرمَ عليك " . قال تعالى :(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " (غافر:19) .
 ثانياً : الاستجابة لله ورسوله .
قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " (لأنفال: من الآية24) . ولااستجابة إلا باتباع أحكام الشرع ، والتشريعاتُ كلُها تصِلُ بالعبد إلى العفةِ والتقوى .. ومنها :
1- غضُ البصر عن الأجنبيات .
قال تعالى:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ"(النور: من الآية30).
2- حفظ السمع عن المحرمات ، فالأذن تعشقُ قبل العين أحياناً ، فأما الرجل فيُمنع من سماع الحرام ، من الأغاني والمعازف والطرب ، ومهاتفة الفتيات التي يخضعن في القول ، قال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ " ( لقمان :6 ) . وقال صلى الله عليه وسلم  : " ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف " .
وأما المرأة فلا يجوز لها الخضوع في القول أمام الأجانب قال تعالى: ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً" (الأحزاب: من الآية32) .
3- حفظ الفرج عن الوقوع في الحرام .
قال تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ "(الأنعام: من الآية151) ، وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً " (الإسراء:32) . ويلحظ المتأمل أن الله نهى عن القربان ولم يقل ولاتفعلوا الفواحش إذاً فكل وسيلة توصل إلى الزنا أو اللواط أو العادة السيئة يجب تجنبها والبعد عنها.
4-   عدمُ مُلامسةِ النساء .
والنبي صلى الله عليه وسلم وهو أخشى الناس ما صافحَ امرأةً قط وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " رواه الترمذي وصححه الألباني . ومادام المُصافحة ممنوعة ، فما تجاوزها أبلغ في المنع .

5-   النهي عن الخلوة بالمرأة الأجنبية .
ففي الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما خلا رجل بامرأة  إلا كان الشيطان ثالثهما " . وثبت في الصحيحين قول صلى الله عليه وسلم :" إياكم والدخول على النساء ، قيل يارسول الله : أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " .
6- عدم الاختلاط مع النساء في أسواقهن .
     وذلك قطعاً لدابر الغواية بين الرجال والنساء وقد قال صلى الله عليه وسلم : "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء"رواه البخاري وغيره .
7- تجنب مجالس الكلام الفاحش .
     فيبتعد الشاب التقي عن مجالس الذين لا يتحدثون إلا عن عورات المسلمات وأحوال الفاجرات .
 8- إقامة الحدِ الشرعي .
      وذلك على الزاني والزانية وفاعلِ جريمةِ قوم لوط . قال تعالى :+الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ " (النور: من الآية2) .
وقالصلى الله عليه وسلم:"ملعونٌ من عمل بعمل قوم لوط"صحيح الجامع(5867) .
وكل هذه الأحكام الشرعية ، تحفظ القلب ، وفي تجاوزها وتعديها أثرٌ خبيث على القلب قد يؤدي إلى الفاحشة .

ثالثاً : التربية على العفة .
     وذلك يكون بأمور عديدة منها :
1- التربية على عُمق الصلة بالله وتزكية النفس .
فيربي الآباء أبناءهم وبناتهم على ذلك ، ويجاهدُ الإنسانُ نفسه على مراعاة ذلك واستشعاره ، وتأمل قوله تعالى:(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ"(العنكبوت: من الآية45) . فيُربي هؤلاء على الصبر عن معصية الله ، وعلى الخوف من تعدي حدوده ويربون على طلب مرضاته سبحانه وتعالى ، وعندها ليس إلا العفاف في حياتهم .
2- التنشئة على العفاف .
فيُربي الصغار على الحياء وعدم كشف العورات وعدم الدخول على النساء إلا بعد استئذان ، ويُعظم كُلٌ ذلك في قلوبهم ، وحري بنا أن نسرد القصص والحوادث لأهل العفاف ، ونبين انتصارهم على شهواتهم وشرور أنفسهم ليعلم الأبناء أن البطولة والفلاح هي لأهل العفاف .
3- تربية الشباب على استشعار فضل العفاف .
فنربيهم على استشعارِ أن الله يُغني العفيف وأن مآله الفلاح وأن الله يظلهُ في ظلهِ يوم لا ظل إلا ظله .
4- بيانُ قيمة الإنسان .
فالإنسانُ العاقل يسمو بنفسه عن الشهوات المحرمة ويترفع عن الحياةِ البهيمية ، والعفيف عزيز بتقواه وعلوِ همته ، ينشغل بتحصيل الحسنات ، وقضاء مصالحه الدُنيوية ،ويتجنب التفاهات .





5- الحرص على المجتمع العفيف .

فإن مما يعين الشباب على العفاف وجودُ البيئةِ النظيفة ، بعيداً عن الفضائيات والمسكرات ، والمجلات الخليعة والأغاني الماجنة .ولذا يتحملُ القائمون على المجتمعات المسلمة منع إشاعة الفواحش في المجتمع . 

محاسن العفاف في حياتنا

" العفاف " ، وما أدراك ما العفاف ؟ عفافُ العينِ عن النظر الحرام ، وعفافُ الأُذنِ عن السماع الحرام ، وعفافُ الجوارح عن البطش والطُغيان ، وعفافُ الفرج عن الوقوع في الفواحش والآثام .
1) المراد بالعفاف :
قال أهل العلم : " العفةُ هي كفُ النفسِ عن المحارم وعما لا يجملُ بالإنسانِ فعله ومنها العِفةُ عن اقترافِ الشهوة المُحرمة، ويأتي في مقابل العِفةُ : الدناءةُ والخِسةُ في كثير من صورها " .
2) حاجتنا إلى العفاف :
   في زمن العولمة الغربية ، إزدادت دواعي الفتن والشهوات ، ولا يزالُ الإعلام العالمي يطوفُ بسمومهِ على المجتمعاتِ المُسلمة فيُغرقُ رجالٌ من رجالنا و نساءٌ من نسائنا ، يغرقون في أمواج متلاطمة من الفسق والمجون والخطوات المُظلمة، ولا تكاد تجلسُ في مجلس إلا وتأتيك الأخبار عن شباب منهزمين أمام شهواتهم، هذا بالمخدرات، وذاك بالمسكرات وآخرين في أوحال الرذائل والفواحش والمُلهيات، وللنساء والفتيات نصيب بل لم يسلم منها حتى الأطفال الصغار .

* وفي هذا الزمن ومع تكاثر هذه البلايا قد يشعرُ المرءُ بالمرارة ، بل قد يُصابُ بالإحباط ومن الناس من يُبتلى بالانهزامية أو يقطعُ الأمل في وجود الصلاح بسبب ذلك، ولذا كان من المهم أن يُعاد للشباب آمالهم وأن يُزال الحُزن عن قلوبهم , وهذه الرسالة " الشباب والعفاف " إنما هي صور حية لنماذج رائعة من البشر ، تجاوزوا الفتن بقوةِ إيمانهم فانتصروا على شهواتهم وشرور أنفسهم، والمتأملُ لأحوالهم يشعرُ بالفخر ويستشعرُ القدوة الحسنة ، وبعدها يجدَّ قوةً وصبراً يترفع بهما على نزغات الشيطان ويحذرُ من خطواته والتخبط في سُبله .
3) محاسن العفاف : إن ديننا الحنيف ، يأخذ بأيدي أتباعه كي ينتصروا على جيوش الشهوة العارمة وينفوا عنهم طول الصراع الواصب بين الغزيرة الجامحة والرغبة السامية في الارتفاع عن الدنايا وفي ظلال الدين الوارف وأرضهِ الطيبة تنبعث وتنمو حسناتُ الاستعفاف عن المحرمات ومنها :
1 – في العفاف تحقيق الإيمان :
     فإن إعراض المرء عن الحرام وهو يهواه ويشتهيه لهو دليلٌ على قوةِ إيمانيه وتقديمه لما يحبُ الله على محبوباته يؤكد ذلك ويُصدقه , وفي ذلك يقول ابن عمر رضي الله عنهما : " صِدقُ الإيمان أن يخلوَ الرجلُ بالمرأةِ الحسناء فيدعُها لايدَّعها إلا لله عز وجل " . 
وفي ذلك ما قالهُ اللهُ عن يُوسف عليه السلام :( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف: من الآية24) . وكذا قولهُ تعالى عن المتقين : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (لأعراف:201) .
2 – العفاف سبيل إلى الجنةِ الخالدة :
قال الله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى )40" فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)41" " (النازعـات:41) . قال صلى الله عليه وسلم : " من ضمِن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة " وفي رواية في المسند : " اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة –ثم ذكر منها– احفظوا فروجَكُمُ" والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع (1029) .
3 – العفاف سِمةُ المؤمنين :
قال الله تعالى:+ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ+1"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ+2"وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )3" وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)4"وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)5" ... الآيات" (المؤمنون1-5) .
وقال تعالى:(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" (الفرقان:68) .
4 – العفاف سبيلُ حفظ الله :
فإن العبد يوم أن يحفظ جوارحه عن الولوغ في وحلِ الحرام يحفظهُ الله ، قال × : " احفظ الله يحفظكَ ، احفظ تجِدْهُ تُجاهَكَ " . قال ابن رجب : " ومن الحفظ حِفظُ اللهِ للعبد في دينه وإيمانه فيحفظهُ في حياته من الشُبهات المضله ومن الشهوات المُحرمة ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان " . وقال رحمه الله : " ومن حفظ الله في صِباهِ وقوته ، حفظه اللهُ في حالِ كبره وضعفِ قوته ، ومتعهُ بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله ، وكان بعضُ العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتعٌ بقوته وعقله فوثب يوماً وثبة شديدة فعوتب في ذلك ، فقال : هذه جوارحٌ حفِظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر" .
5 – وفي العفاف زكاء النفس وطهارتها :
فلقد قال الله تعالى:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)30"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)31"" ( النور 30-31) .
فعفاف البصر والفرج عن الحرام أزكى لقلب العبد وأطهر ، هذا ما قرره الله سبحانه وتعالى وهو الخبير بعباده وما فيه صلاحُهُم وسعادُتُهم .
6 – و العفاف سبيلٌ إلى فضل الله العظيم :
قال الله تعالى:(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " ( النور 33) .
وقال الله تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)2"  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ... الآية )3" "(الطلاق2-3).
وقال صلى الله عليه وسلم : " ثلاثةٌ حقٌ على اللهِ عونُهم الناكحُ يريُد العفاف ( ثم ذكر البقية ) " والحديث بتمامه رواه أحمد في مسنده . 
وقال صلى الله عليه وسلم : " من تَركَ شيئاً لله عوضَهُ اللهُ خيراً منه " .
وقال صلى الله عليه وسلم:"سبعة يُظلهم اللهُ يوم لا ظل إلا ظله (ذكر منهم) "ورجلٌ دعتهُ امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخافُ الله رب العالمين " متفق عليه . ففي يوم تدنو فيه الشمسُ قدرَّ ميلٍ من رؤوس الخلائق وفي يوم مقدارهُ خمسون ألف سنة ينجو هذا العفيف من وهج حرها .
7 – وفي العفاف الطمأنينةُ القلبيةُ والنفسية :
فالشاب حينما يعيشُ في حياة طاهرة ، بعيدةٍ عن أرجاس الشياطين وأنجاسِ الفاجرين، يشعُر بالسعادةِ الغامرة ، والسرور وانشراح الصدر . يقول ابن عباس رضي الله عنه : " إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب وسِعةً في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئةٍ اسوداداً في الوجه وظُلمةً في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق ، وبُغضةً في قلوب الخلق " .
9 – وفي العفاف النجاةُ من أضرار الفواحش :
فهناك العقوبات الربانية لمرتكب الفواحش من سخط الله عليه وإبعادهِ من رحمته وعقابه في الآخرة ، بعد فضحه على رؤوس الأشهاد ، وتأمل ما رأهُ النبي صلى الله عليه وسلم : "لقد رأى في رؤياه تنوراً فيه نساءً عاريات ورجالٌ عُراة ، وهم في صراخٍ وعويل والنارُ تحرقُهُم حرقاً وكلما نفخت فيهم ، علت صرخاتهم وصياحُهم وهكذا أبدُ الأبدين ، فلما سأل صلى الله عليه وسلم الملكين عنهم قالا: فإنهم الزناة والزواني"  والحديث أصله في البخاري .
10 –  والعفاف سبيل الزواج الناجح :
" فإن الشاب الذي أرخى العنان لشهواته ، وتعّود على تدنيس الأعراض ، وإشباع رغباته بألوان مُتعددةٍ من المفاسد ، لن يطيق صبراً عنها ، ولن يقتنع بزوجة حلال ، وأن تزوج فلن يرعوي إلا أن يتوب ، ويبدأ زواجهُ بصفحةٍ جديدةٍ من حياته . وهذا يصدقُ على الفتاةِ التي خرجت من حصنها العفيف وخالطت الرجال وعاشرتهم ، فمن الصعب بعد ذلك أن تخضع لزوجٍ تهبُ لهُ كُلَّ حياتها إلا بعد توبةٍ نصوحاً . أما أهل العفاف من الرجال والنساء ، فإن المودةَ والرحمة والسكن تتبادلُ بين الزوجين ويرى كُلُّ منهما في الآخر الحُبَّ الصادق ، والمنحة الأبدية ، وعنوان الوفاء ، فيتعلق كُلُّ منهما بالآخر حتى النهاية .. " ويكون زواجهما مِثال النجاح والسعادة .
11 – وبالعفاف يصطبغ بالأخلاق الفاضلة :
فإن الاستمساك بطريق الفضيلة ، سبيلٌ لحُسن الخُلق وإتباع السلوك المرضي فالعفاف يأخذ بيد المرء إلى الخُلق السامي والسلوك النبيل ، وهو حِصنٌ يقي الشاب شرور الأنفس ، وبذيَّ الخلال وقبيح الفِعال .

الشباب الغربي وتحطيم العفاف .

      ماذا جنى الشباب الغربي من تحطيم العفاف في حياتهم الشخصية ؟ لقد تناسوا أن العفاف فِطرةٌ فطر الله الناس عليها ، وأن العفاف فضيلةٌ وقيمة أخلاقية لاتقوم الحضارة المتكاملة إلا بها , وكانت نتيجة هذا التجاهل للعفاف في حياتهم الوقوع في ما يسمى بالفوضى الجنسية وغرقوا في طوفان الإباحية , ولذلك العقلاء من المربين والآباء بدأوا يدركون خطورة الانحلال على حياة شبابهم وفتياتهم ، وازدادا إحساسهم بخطورة ذلك حينما ظهر وباء " الإيدز " , وصاروا ينادون بمحاربة الرذيلة وظهرت جمعيات شبابية تنادي بـ " الامتناع عن ممارسة الجنس العابث " ورفض " الإباحية " واجتمع مئات الشباب وتعاهدوا على عدم الذهاب إلى بيوت الدعارة والحرص على المسارعة للزواج .
* وقد وجد من دراسات عديدة أن الغربيين أصيبوا بمفاسد كثيرة بسبب تحطيم العفاف في حياتهم ومن ذلك :
أولاً : إعراض الشباب عن الزواج وتكوين الأسرة المستقرة.
ثانياً : انتشار حبوب منع الحمل وهذا يعني قلة المواليد ونقص عدد السكان .
ثالثاً :  شيوع الإجهاض لدى الفتيات وفي الولايات المتحدة لوحدها وجد أن مليون ونصف المليون من حالات الإجهاض تمت لفتيات دون العشرين.
رابعاً:كثرة حالات الطلاق والخيانة الزوجية من الطرفين.
خامساً: تكاثر نسب الأطفال غير الشرعيين .
سادساً:   تكاثر حالات الاغتصاب .
سابعاً:   الإصابة بالأمراض النفسية إضافة إلى الأمراض الجنسية.
ثـامناً :  ضعف الإنتاج والإبداع في حياة الشباب فقد انصرفوا إلى المتعة الرخيصة 

ولذلك كله قامت إحدى الحكومات الغربية بتخصيص مبلغ مائة وخمسة وثلاثين مليون دولار لدعم برنامج " الامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج " وتوعية الشباب به . 

من ضيع الشباب ؟

لقد خرج العربُ بعد إسلامهم يحملون رسالة ً خالدةً ، خرجوا يحملون في قلوبهم كتاب الله ومنهجاً نبوياً واضح المعالم ، وعند ذلك عرفوا المنطلق ، وفهموا الغاية ,فكانوا من بعد خير أُمةٍ أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف  وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وخرج من تلك الأُمةِ الخيّرة ، أولئك الشباب المسلم ، خرجوا يحملون عقيدة ثابتة لا يحيدهم عنها ضالٌ مضل ، ولا ينحرف بمبادئهم الأصيلة فاسق منحرف ,فعاش شبابُ الإسلام بفكرٍ ناضج وهمةٍ عالية ، لا فراغ في قلوبهم ولا في فكرهم ,عزتهم بإسلامهم ، وقوتهم بإيمانهم، وتوكلهم على الله ، ولكن هيئات أن يقبل بذلك الأعداء ، فلقد تربص المتربصون بالإسلام وأهله ودارت المعارك الدامية ، سُفكت الدماءُ واشتدت المواجهة  وحمى الوطيس، فإذا بشباب الإسلام يرجعون إلى إسلامهم أقوى وأنكى ضد العدو، أصبحوا مجاهدين في سبيل الله يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، ويرددون قول الأول:
يا حبذا الجنةُ واقترابُها


طيبةٌ وباردٌ شرابُها

والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها


كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها

وبعد هذه التجارب القاسية ، تقرر لأعداء الإسلام أنه لا يمكنُ الدخولُ على الشباب المسلم بالقوة العسكرية ، ولا بالإرهاب الاستعماري ، إذاً فكيف يكون المكر بهم ؟ لا سبيل للمكر بهم إلا بالأساليب الخفية ، التي ظاهرُها الرحمةُ وباطنها أشدَّ العذاب ، وسار أعداء الله على هذا الكيد بخطوات بطيئة ، ولكنها كما يقال أكيدةٌ المفعول فما هي إلا سنوات معدودة ، فإذا بشباب الأمس ينقلبون إلى أفواج ممسوخة اختلطت عليهم الأوراق ، وانقلبت لديهم الاهتمامات ، فأصبحوا يهتمون بقضايا ثانوية وطموحات عادية ، ومنهم من صار إلى حال خطيرة ، فلقد أصبح يكره الإسلام وشرائعه والعياذ بالله .
* لقد خرج كثيرٌ من شباب الإسلام من جهل إلى جهل ، ومن ضعفٍ إلى ضعف , فمن هو الذي تسبب في ضياع شبابنا ؟ ومن هو الذي أخذ بناصيتهم فأغرقهم في سُبل الشيطان ؟هل يكفي أن يقال أعداء الإسلام تسببوا بذلك ؟ إنه جواب لا يكفي ولا يشفي ، فإننا في زمن أصبح الأعداءُ يتشكلون بأشكال متعددة ويداهمون شباب الإسلام بلسان التلبيس والتدليس ، ولذلك كله كان لزاماً علينا التفصيلُ في القول ، والتوضيح في الجواب وبيانه .
والسؤال : من ضيع شبابنا ؟
 أولاً : ضيعهم كيدُ  اليهودُ والنصارى وأذنابهم , فإن اليهود والنصارى كما لا يخفى ، لا يريدون من شباب الإسلام ، إلا أن تنصرف قلوُبُهم للبحث عن الراحة والدعةِ والكسل ، وأن يكون همُهُم في الدنيا إشباعُ الشهوات وتتبع الغرائز ، ومن ذلك ما ذكره اليهود في بروتوكولاتهم المسماة بروتوكلات حكماء صهيون والذي  صرحوا فيه بما نصه قالوا : (( قد تمكنا من تضليل غير اليهود ، وإفسادُهُم خُلقياً وحملهم على البلادة عن طريق تعليمهم المبادئ ، الني نعتبرها نحن باطلةٌ ، على الرغم من إيحائنا بها ))  . وقالوا : ((  ولكي نمنع الجماهير من أن تتخذ ، مستقلةً ، أي قرار فإننا نلهيها بالألعاب ومشاهد الترفية والأهواء .. كالفن والرياضة بكل أنواعها ، وهذه الملاهي سوف تصرفُ أذهان الجماهير  بشكل نهائي ..))  . وكما قال أحد القساوسة النصارى (( .. جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور , يسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة.. )) هذا بعض كلامهم وما خفي أعظم, أما وقد حددوا الهدف ، فإن التخطيط لبلوغه صُرفت فيه المبالغ الطائلة والسنوات العديدة وكانت ثمرتُهُ اليانعةُ في نظرهم هي (( دعاة التغريب)) ، وهم أناسٌ يتكلمون بألسنتنا فلا يرتاب بهم مرتاب ، ويحققون المراد بأساليب يسيرة وفي  أزمنة قصيرة .
ولقد سارع(( دعاة التغريب ))  لتنفيذ ما يريدهُ أسيادهم من حيث  يشعرون أولا يشعرون وكانت منطلقات دعوتهم لتغريب الشباب ، منطلقاتٌ عديدة منها         1- الدعوة إلى الفوضى الدينية :
       فإن هؤلاء المستغربين المخربين استغلوا جهل الشباب بالكتاب والسنة لتضييعهم عن دينهم وضرب بعضه ببعض ، فكانت النتيجة المؤلمة ، أن يعيش بعض شبابنا في فوضى دينية يختلط فيها الحابل بالنابل .
2- قلبُ المفاهيم : وهو منطلقٌ سار عليه دعاةُ التغريب واستغلوا له كل الوسائل، وقد استطاعوا أن يمسخوا بعض الثوابت عند أبناء المسلمين ، فاستحسنوا القبيح واستقبحوا الحسن لذا ترى بعض شباب المسلمين سار في حياته معتقداً ، أن الطريقة الفضلى للحياة هي طريقة الغرب في كل شي ، ولذلك أصبحنا نراهم يقلدون الكفار في حياتهم ولباسهم ، بل وفي اهتماماتهم اليومية .
3- دعوة شبابنا إلى الحرية العرجاء: فأخرجوا أبناء الإسلام من عبادة الله إلى عبادة الهوى وما تشتهيه الأنفس ، كما قال تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا " { (43) سورة الفرقان} . وما علم هؤلاء أنهم قد وقعوا في الفخ التغريبي الشيطاني :
       هربوا من الرق الذي خلقوا له      وبلو برق النفس والشيطان
إن هؤلاء الدعاةَ الذين جندوا أنفسهم للتغريب ، يذكرنا حالهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم  : (( تكون بعدي ائمةٌ لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيكون فيكم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان أنس )) . رواه مسلم .
وقد ضيعوا شبابنا من خلال مقالات صحفية وحوارات إذاعية ومقابلات في القنوات الفضائية وإشاعةٍ للأفلام والمسلسلات الغربية .
ثانياً : أصحاب الأقلام المسمومة : فهم ساهموا في ضياع نخبةٍ كبيرةٍ من شباب الأمة ، ومنهم المؤلفون في الجنس وقصص الغرام ، فهم يحملون بأيديهم معاولَ التهديم في صرح كياننا الداخلي ومن هذه الأقلام المسمومة ، الشُعراء الماجنون قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ" { (226) سورة الشعراء}. لقد وجهوا بعض شباب الأمة إلى الغرام والعشق والهيام .




فأين الدين بعد هذا الحبُ الحرام ؟وأين نُصرة المسلمين ؟ ضاعت في غرام وهيام.
وممن تسببوا في ضياع الشباب المنتجون للمجلات الهابطة ولذلك في  دراسة في إحدى دول الخليج تبين أن من أسباب انتشار الجرائم ، نقلُ أخبار جرائم الاغتصاب في الجرائد والمجلات بتفصيل دون حياء أو أدب, ولذلك تبين أن أكثر  من واحد وأربعين بالمائة ، من الشباب الذين قُبض عليهم في جريمةٍ أخلاقية ، كانوا يقتنون مجلات جنسية ،
إنه لحق ترتجف له النفسُ فَرَقا            ويقشعرُّ له الوجدان رعباً
ثالثاً : تجارُ المخدرات والمسكرات فلقد قتلوا طموحات الشباب الدينية والدنيوية، أليس بضياع أن يبيع الشابُ ماله وعرضه وشرفه من أجل حبوب بيضاء وحُقنٍ حمراء ؟ لقد اُرتكبت الجرائم للحصول على ثمن المخدرات وارتكبت السرقاتُ ليتجرع بها السارقون حبوب الموت، بل باعوا أعراضهم في سبيل حُقن قاتله , والعياذ بالله .
*رابعاً :، جلساء السوء ، فهم سببٌ رئيس من أسباب الانحراف والفساد في صفوف الشباب ، إنهم قوم فاسدون في المجتمع ، لا يفكرون إلا بالإثم ، ولا تطوف في أذهانهم إلا المنكرات ، إنهم فئةٌ توجدُ حيثُ نهى الله ، وتفقد حيث أمر الله ، تنام في نهار الفضيلة وتستيقظ في ليل الضلالة .
جُلساءُ السوء ربما كانوا فئةً شيطانية ، تشاركُ الموظف في وظيفته و تشارك الطالب في مقاعد دراسته ، ولربما كان أحد هؤلاء  الشياطين ، يلبس لباسَ الجارِ المُحب أو الصديق المُخلص، و عندهم أساليبُ ترغيبية وطرائقُ تشجيعية ، كُلُها تأخذ بيد الغافل  إلى فسقٍ ومجون ، وضياعٍ وجنون .




كم ضل بسبب الأشرار مهتدي ؟ وكم انحرف بسببهم مستقيم ؟إن من جلساء السوء ، من تسبب في إفساد العقيدة وتشويه الملة والديانة عند الشباب ،وإن منهم  من تسبب في إدخال بعض الغافلين والغافلات في دائرة الزنا واللواط والعياذ بالله. وإن منهم من تسبب  في إفساد أخلاق بعض الشباب ، أفسدوا  أخلاقهم بالسفر المحرم ، والأفلام الساقطة ، ثم قد تكون النتيجة ، شبابُ يُرسلونَ بأجسادٍ سوداء من أمراض المخدرات أو من أثار الإيدز وأمراض الجنس.
* وعاقبةُ هذا الضياع لشبابنا ، عاقبةٌ أخبر عنها اللهُ ورسوله صلى الله عليه وسلم  ألا نتدبر قول الله في محكم كتابه ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنسَانِ خَذُولًا (29) " {سورة الفرقان} .ألا نتفهم قوله صلى الله عليه وسلم  : (( إنما مثلُ الجليس الطيب وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحاملُ المسك إما أن تبتاع منه وإما أن يحذيك أو تجد منه ريحاً طيبه  ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة كريهة ))  .
أخي الشاب ، أُذكرك بوصية الله في كتابه ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" { (28) سورة الكهف} .
فالله الله بالصحبة الصالحة وإياك وقرناء السوء ,إنك يوم تعاشر الصالحين ، تستفيد منهم إيماناً إلى إيمانك ، قال صلى الله عليه وسلم  : (( المرءُ على دينِ خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل)) . وتستفيدْ بمصاحبتهم الأجر والثواب ، كما جاء في الحديث القدسي يقول الله عز وجل عن أهل الذكر  : (( أُشهدُكم أنني قد غفرتُ لهم فتقولوا الملائكة :     (( فيهم عبُدك فُلان ما جاء راغباً , إنما جاء لحاجة فيقول الله عز وجل : (( إني قد غفرتُ له فإنهم الجُلساء لا يشقى بهم جليسُهُمْ ))  رواه البخاري.
* ولقد أمر الله بمجانبة الأشرار والابتعاد عنهم فقال تعالى في كتابه ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" { (28) سورة الكهف} . فإن أبيت وصاحبت الأشرار فابشر بالحادٍ أو فجور ، أو أقل من ذلك أخلاقٍ سافلة ، كذبٍ وغيبةٍ وفواحش وآثام أو سهرات ومخدرات – والعياذ بالله – كما قال صلى الله عليه وسلم (( إما أن يُحرق ثيابك أو تجد منه رائحة كريهة ))  . إن هؤلاء القرناء ، لهم صور متعددة ، فمنهم القريب ومنهم البعيد ومنهم الكبارُ ومنهم الصغار ، فإن هؤلاء القرناء مفاتيح للشر كما وصفهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، قال عليه الصلاة والسلام : (( إن من الناس مفاتيح للشر ، مغاليق للخير .. إلى أن قال : (( وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ))  .

أيها الآباء ، إن الشباب أمانة بين أيديكم فانظروا إليهم مع من يسيرون ؟ومع من يذهبون ويركبون ؟ إن من الواجب أن نبين لهم خطورة معاشرة السيئين ولو كانوا من الأرحام والمقربين .. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... " { (6) سورة التحريم} . ترقبوا أفكارهم حتى لا تضل وحذروهم من التلقي عن دعاة التغريب والتخريب والأقلام المسمومة .

الشريعة والرأي الآخر .

إن من الشرور التي أُبتلينا بها، شرُّ الثقافات الوافدة إلينا والتي تتدفق على بيوت المسلمين من خلالِ القنواتِ الفضائية المنتشرة هنا وهناك ..
إنها ثقافات لا تقيمُ للدين وزنا ولا تضع للنص القرآني مكانة ولا تلتفت إلى السنةِ النبوية من قريب أو بعيد، وثقافاتٌ هذا منهجها وهذه طريقتها تُفسد ولا تُصلح وتهدم ولا تبني، وهذا ما أصبحنا نرى أثره على أجيالِ المسلمين في بقاعٍ شتى من بلاد الإسلام.
*ومن الأساليبِ الشائعة لإقناع المشاهدين بأفكارٍ وآراءٍ ضالةٍ مُظلمة طرحُ هذه الآراء من خلال البرامج الثقافية التي تعتمدُ على أسلوبِ الحوار والذي يزعمون أنه حِوارٌ حضاري يفرضه واقعُ الإعلام المعاصر .
وتزعمُ بعضُ القنواتِ الفضائية أن مرادهم من هذه البرامج إيصالُ الآراءِ للمشاهدين ليحكموا عليها وليرجحوا فيها بحسب ما قال هذا وما رد عليه ذاك والحق أنهم بهذا يدفعون الناس للخوض في مسائل كبار هي أكبر وأعظم من أن يتكلم فيها ذو الثقافةِ العامة وهو غالبُ حالِ المشاهدين كما هو معلوم .
ومن العجيب أن عدداً من الناس رحب بهذه البرامج بل صار من المتابعين لها والمتفاعلين مع قضاياها، ويزعم هؤلاء : أن زمان الرأيَ الواحد قد ولى وانقضى وهذا العصر هو عصر الانفتاح ومعرفة الآراء الأُخرى والنظرُ للاتجاه المعاكسِ لزوايا عديدة في قضايا كان الكلامُ حولها دائماً وأبداً من زاوية واتجاه واحد فحسب وقبل أن انتقلَ إلى الكلامِ عن الموقف الصحيح من هذه البرامج أود أن أقف مع زعم القنوات الفضائية السالف الذكر وكذلك ما يزعمه أو يظنه هؤلاء المتابعين لهذه الحوارات .
* يحق لنا أن نسأل هل القنواتِ الفضائيةِ بأسلوب الحوار تريدُ إيصالَ الحقيقةِ للمشاهدين؟
سئُل مديرُ قناةٍ فضائية معروفة عن سبب انتشار هذه البرامج في القنوات الفضائية فكان جوابه أن القناة الناجحة هي التي تستطيعُ أن تجذب المشاهدين إليها وقد وجدنا أن هذه البرامج هي من أقوى الأساليب لكسب المشاهدين وهذا الكلام يعني أن هذه البرامج ما هي إلا أسلوبٌ دعائي لهذه القناة وتلك .
وقال أيضاً : "إن من أسباب انتشار هذه البرامج أن الأفلامَ الغربية تكلفُ القناةَ تكاليف عالية فإن الفلم الواحد قد يكلف أكثر من خمسين ألف دولار والأفلامُ العربيةُ أسعارُها غاليةٌ كذلك بينما هذه البرامج التي تعتمد أسلوبَ الحوار إنما هي مجردُ مذيعٍ وضيفِ أو ضيفين وأجهزةِ تصوير عادية وأجهزةٍ صوتية ويمتد البرنامجُ لأكثر من ساعة نكسبُ فيها تفاعلَ المشاهدِ معنا ولا ندفعُ فيها الكثير" .
ويتبين لنا من كلامه أن هذه برامج المقصود منها تجاري ويراد فيها خفض التكاليف على القناة وإنقاذها من الخسائر وهم لا يهمهم أن تتضمنَ هذه البرامج أموراً تنقض الدين أو تدمرُ الدنيا .
وفي إحدى الجرائد الوافدة كتب أحدهم يقول إن هذه البرامج خطوةٌ عظيمة لتقرير الديمقراطية بين الشعوب العربية .
إذن فهذه البرامج لا مصداقية لها فهي لمقاصدَ تجارية ولمكاسب دعائية ولتقرير مبدأّ الفوضويةِ الديمقراطية .
أما قول البعض أن عصرَ الانفتاح يفرض هذا الأسلوب وأن المشاهدَ خيرٌ له أن يدركَ الآراء الأخرى ولو كانت باتجاه معاكس فيجاب عليه أن هذا الكلام يحتاج إلى تمحيص ولا يؤخذُ بعمومه .
ولذا نقولُ :إن البرامجَ الثقافية التي تحاورُ القضايا السياسية أو تطرحُ قضيةٍ اقتصاديةٍ ما على مائدة الحوار إنما تعودُ في أصلها إلى أمر من أمور الدنيا والكلام فيها يعبرُ عن سذاجة المتكلم أو خبرته وحنكته، وهو عند السامع صادق أو كاذب أو جاهلٌ أو منافق وإن كان مثل الطرح قد يؤدي إلى إضلال الرأي العام إلا أن الخطورة الكبرى هي فيما إذا كان الحوارُ في هذا البرنامجِ الثقافي حول قضية من قضايا الشريعةِ وأصول الدين .
وتتجلى هذه الخطورة حينما تطرحُ قضيةٌ شرعية ما ويُفتحُ البابُ لغير المتخصص ليتكلم فيها بل قد يُفتحُ البابُ ليتكلم ضيفٌ علمانيٌ متطرف أو زنديقٌ ملحد فيصدع برأيهِ الضال وباجتهاده المنحرف في تلكم القضية الشرعية فيضُلُ بذلك أفواجٌ من المشاهدين ولذلك تصبحُ المسائلَ الشرعية مباحةٌ لكلِّ من هب ودب، يخوض فيها العلماني فيرد النص القرآني ويسخر من الحديث النبوي، وقد يتصلُ أحدُهم ويحُرفُ الكلمّ عن مواضعه وآخر يتصلُ فيجتهدُ بغير علم ويتكلمُ بغير فهم ويأخذه الحماس لتصويب رأيه وتخطئة الآخرين وردِ كلام أئمةِ الدين وتراه يتجرأ على ذلك وهو لا يستطيعُ أن يُقيم الكلمات ولا يُحسنُ تلاوةّ الآيات .
ومع هذا وذاك يزبد ويرعد أن بابَ الاجتهادِ في مسائل الدين مفتوحٌ للجميع وليس الاجتهادُ حِكراً لأحدٍ دون أحد .
وبعد هذا نقول :هل نقبلُ الرأي الآخر في قضيةٍ شرعية من رجل جاهلٍ لا يقيم الحروف وليس مؤهلاً للكلام في جزئياتِ الأحكام فضلاً عن المسائل العظام ؟ هل نقبلُ الرأي الآخر في قضيةٍ شرعية من رجل علماني متطرف أو زنديق ملحد لا يقيم للدين وزنا ولا يلتفت للنصوصِ الشرعية من قريب ولا بعيد؟، ولنضرب لذلك مثلاً بالجانب الصحي .
تخيل أن برنامجاً ثقافياً حصل فيه حوار مع طبيبٍ ومُدخن أو شارب للخمر أو متعاطيٍ للمخدرات فلو تكلم الطبيب بكلمات قليلةٍ عن أضرار التدخين وشرب الخمور والمخدرات ثم قام المدخنُ وذكر أكاذيب باطلة واثبت أن شُربَ السجائر له فوائدٌ عديد وقام شاربُ الخمر وذكر فوائد شرب الخمر وشجع عليه وقام متعاطي المُخدرات وذكر أكاذيبَ ملفقة وشجعَ على تعاطي المخدرات .
فهل يقالُ أن الزمن والعصر تغير ونحن في عصر الانفتاح ومرحباً بالرأي الآخر .
ألا نعتبرَ أن كلامَ المدخنِ ورأي شارب الخمر ورأي متعاطي المخدرات نوعٌ من الدعوة إلى انحراف المشاهدين وإضلالهم .
وما هو موقفنا من تلك القناة التي بثت هذا البرنامج، ألن نعتبرها قناةً تفسد ولا تصلح وتهدم ولا تبني ، هذا في الجانب الصحي فكيف بالجانبِ الشرعي والعقائدي , إن إضلال الناس في دينهم ومعتقدهم أشدُّ خطورةً من إضلالهم في الجانب الصحي والقنواتُ الفضائيةُ بهذه البرامج خاضت في مسائل شرعيةٍ عديدة وتسببت في تشكيكِ المشاهد في بعض منها وإضلاله في البعض الآخر فخاضوا في :
1- المقارنةِ بين الأنظمة الإسلاميةِ والقوانين الوضعية .
2- والربا والفوائد البنكية .
3- والمرأةُ وتحررها في الدولِ العربية .
4- وخاضوا في الحجاب هل هو من الأحكامِ الشرعيةِ أم من العادات القبلية؟
5- وكان الدفاع عن المؤلفين الذين يسخرون من الأنبياء باسم الحرية .
6- وحصلَ استضافةُ من يفسر القرآن تفسيراً ماركسيا .
7- وكذا استضافةُ من يفصلُ السياسة عن الدين، ويقررُ مبدأَ العلمانية كما هي في الغرب الكافر .
إلى غير ذلك من مواضيع خطيرة تطرح على مائدة الحوار، يتكلم فيها من شاء بما شاء دون حسيب ولا رقيب .
أبعد هذا يا أيها الإخوة نبتهج بهذه الحوارات ونتحمسُ لها أما، قولُ البعض أن مثل هذه البرامج يتابعُها الكثيرون على سبيل التسلية وإمضاء الوقت فهي مصارعةٌ كلامية يتسلى فيها المشاهد كما يتسلى برؤية المصارعة الجسدية فيقال إن هذا الكلام ليس صحيحاً بإطلاقه فإن من تتبع الجرائد والمجلات وجد أن من الأقلام الصحفية من تتأثر بالرأي الأخر وتفرح به وتدافع عنه، وأيضاً من تتبع المجالس وجد أن هناك من يتأثر بالرأي الآخر فيتشدق به ويُشيعه ويذيعه بين العام والخاص وهذا التأثير الجلي له مفاسد عديدة .
*إن من مفاسد البرامج الثقافية التي تعتمد أسلوب الحوار .
أولاً : أنها تهونُ من كلام علماء الشريعة وإذا نُزعت الثقة من العلماء وشكك المشككون في أقوالهم وفتاويهم فإلى من سيرجع عامةُ الناس؟ بطبيعة الحال سيرجعون إلى من يزعم الفكر التنويري والفكر المعاصر .
ثانياً: أن قضايا الدين ومسائله الشرعية ينزعُ عنها التعظيم، والله عز وجل حذر من الفتوى بغير علم كما قال في محكم كتابه (ولا تقولُوا لمِا تصفُ ألسنتكُمُ الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذبَ إن الذين يفترون على اللهِ الكذب لا يفلحون متاعٌ قليلٌ ولهم عذابٌ أليم) .
وجاء في مسند الإمام احمد بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال "من أُفتى بفتيا غيرَ ثبتٍ (أي بغير حجةٍ بينه) فإنما إثمهُ على من أفتاه" .
واستشعار ذلك يرهبُ من الخوض بغير علم في قضايا الدين واستمع إلى القاسم رحمه الله وهو يقول : "والله لإن يٌقطعَ لساني أحبُّ إليَ من أن أتكلمَ بما لا علم لي به" .
ثالثاً :أن بعض القنوات من خلال مذيع أو مذيعة يُحضرون رجلاً غير متمكن في العلوم الشرعية وهو يمثلها ويأتون برجل آخر أو امراة علمانية متطرفة تجول وتصول في ذكر الباطل وتزيينه بالحججُ الواهية فلا يستطيع ذاك الشيخ أن يرد أو يجيب على شبهات أهل الباطل فيظن الناس أن الحق مع الباطل وأهله وهذا مكرٌ ظاهر وخداعٌ للمشاهدين وسبيلٌ لاضلالهم .
رابعاً :أن فيها دعاية واضحة لأهل الباطل وأن المذيع يُعرفُ به وبكتبه ويترك المجال له ليقول ما يقول فيُعجب فيه السذج من المشاهدين ويسارعون لمتابعة مقالاته وشراء كتبه وهذا مخالف لما قرره علماء الأمة من وجوب هجر المبتدع وبغض أهلِ الأهواء وإبراز مثل هؤلاء فيه تمجيدٌ لهم وإعلاءٌ لشأنهم وتوقيرٌ لمكانتهم وهم دون ذلك بكثير .
*ويقول البعض أن هذا الحوار قد يهتدي على أثره الزنديق أو العلماني إن كان العالم الشرعي قوي الحُجة ويقال أن هذا يحصل دون إشاعة الحوار وإذاعته على عوام المسلمين فيمكن أن تعقد المناظرة بين العلماء وهؤلاء (أصحاب الرأي الآخر كما يقال) ويؤخذ بايديهم إلى الحق دون إعلان فإن المقصود هدايتهم لا إضلال الجماهير بهم .

الإعلام.. وتقديس العقول .

أنعم الله على خلقه بنعم كثيرة لا يحصيها الخلق عددا, كما أخبرنا الله في محكم كتـابه: ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) وخص الله البشـرية بنعمة تميزهم عن بقية الخلائق , خصهم بنعمة عظيمة, إنها نعمة العقل , ولقد امتدح ربنا عباده الصالحين في مواضع كثيرة من كتابه بأنهم يعقلون ويتفكرون ويتدبرون كقوله تعـالى ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) وكقوله ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يعقلون) وبالضد من ذلك ذم الله أولئك المهملين لعقولهم  الذين لا يتفكرون ولا يتدبرون كما في قوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) وكقوله (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) .
*وعقول البشر دليل إلى فهم النصـوص الشرعية, ولذا دعا الإسلام إلى إعمال الذهن وتشغيل الطاقة العقلية وهذا جلي في آيات عديدة تدعوا إلى ذلك وتؤيده (أفلا يتدبرون القران) , (أولم يتفكروا في أنفسهم) , (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) وبهذا نعلم أن العقل في الإسلام له وضع يليق به, لا يرتفع ليكون إلهاً يتبع, ولا يمتهن ليكون صاحبه كسائر الحيوانات, وحفاظاً على هذا العقل من الشذوذ والسطحية والسذاجة أمر الشارع بتعليمه فكما أن نمو الجسم بالطعام فان نمو العقل بالعلم, ومعلوم أن هذا العقل مخلوق من مخلوقات الله شأنه كشأنها له قدراته المحدودة وخصائصه الـثابتة فكما أنه لا يطلب من العين أن تبصر ما يبعد عنها آلاف الأميال, وكما أنه لا يطلب من اليدين أن تحمل الجبال, كذلك فان العقل يطيق أشياء ولا يستطيع أشياء وهذا الأمر وإن كان مسلمة من المسلمات ,إلا أن نبتة إبليسية نبتت منذ فجر الإسلام جعلت للعقل مكانة مقدسة, فأشاعوا وأذاعوا أن العقل هو المشرع وأنه هو الحاكم على النصوص الشرعية قبولاً ورداً, وعلى هذا فإذا جاءهم الشرع بما لم يفهمه العقل ُردوا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإن تعارض العقل القاصر مع نص ظاهر أُولوا النص أو حرفوه أو أُبطلوه بالكلية والعياذ بالله .
هؤلاء العقلانيون تبدأ قصتهم بإبليس, فهو أميرهم وزعيم فكرهم, يقول الله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) نعم أبى أن يسجد لآدم وهو مخلوق من طين (قال أنا خير منه خلقني من نار وخلقته من طين) هكذا بلغ به تقديسه لرأيه أن رد أمر الله وامتنع أن يستجيب لخالقه العليم (ألا لعنة الله على الكافرين) .
قال ابن القيم رحمه الله :" إن هذه المعارضة بين العقل والنقل –أي النصوص الشرعية – هذه المعارضة هي أصل كل فساد في العالم وهي ضد دعوة الرسل من كل وجه فان الرسل دعوا إلى تقديم الوحي على الإرادة والعقول, أما خصومهم فصاروا إلى ضد ذلك وسار أتباع الرسل على تقديم الوحي على الرأي والمعقول وسار أتباع إبليس على تقديم العقل على النقل الشرعي .
وجاء هؤلاء الأتباع ينادون بتقديس العقول وتحكيمها وقبول تشريعها, و نادوا إلى ذلك بألوان وأثواب مزخرفة وألفاظ منمقة فاغتر بهم كثير من المسلمين ورحبوا بهم وعظموا  أمرهم و أطلقوا على قاد اتهم ألقاب التبجيل فذاك زعيم وذاك مفكر كبير وهذا فيلسوف مجدد .
ألقاب مملكة في غير موضعها      كالهر يحكي انتفاخا صـولة الأسد
وجاءت الحضارة العلمية المعاصرة, جاءت بعد ما فتح الله على البشر مجالات رحبة في علوم الفضاء والذرة, ويسر الله بفضله لعقول البشرية اكتشاف كثير من أسرار الكون التي كانت عنهم غائبة مجهولة وبعد هذا وذاك أحست هذه العقول بالغرور, وظن أصحابها أنهم بها في غنية  عما جاء به الأنبياء من الشرائع السماوية فجعلوها من وراء ظهورهم وسنوا لأنفسهم قوانين وأنظمة وضعية فأحلوا ما يشتـهون وحرموا ما منه يشمئزون وحاربوا الدين واتهموه بأنه يُحجر على العقول المقدسة (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) .
 *ولأن من بنى قومنا من يتأثر بكل جديد,ولأن من بني جلدتنا من يرتع بالإعجاب بكل غريب, ركب أناس هذا المركب فسلوا أقلامهم يخطون بها الدعوة إلى تقديم عقولهم وزبالات أذهانهم على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ثم كانت الخطوة التالية اعتلاء المنابر الثقافية لتطبيق ذلك على كثير من الأوامر الشرعة (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولوكره الكافرون) .
لقد أصبحوا بعقولهم ينتقصون  نصوصاً نبوية قطعية , فكان من بعدهم طائفة من عامة المسلمين وعوامهم من يتجرأ على رد التشريعات الربانية حتى صار  بعضهم ممن  يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض, فكم سمعنا من  أُمّي لا يفقه علما , يرد قاعدة دينـية وكم سمعنا من نصف متعلم يعلو بصوته رداً لعقائد سلفية  .
*أن هذه الدعوة خدعة شيطانية, لو تأملها العقلاء حقا لعلموا أن من المحال أن نتحاكم إلى العقول, فإلى أي عقل نتحاكم ؟ إن لكل إنسان عقل يفتخر به ويزكيه فمن يحكم مـن ؟ ومن هو المصيب ومن هو المخطئ ؟؟ ومن ذلك يا إخوه ما نراه من تخبط في واقع البشر فهؤلاء يزعمون أن العقل يحبذ شيئا ويوجبه وأولئك يزعمون أن العقل يحيله ويمنعه فأي الفريقين  محق وأيهما مبطل ؟؟ وبهذا نعلم أن العقول البشرية يجب أن توزن بميزان الشرع فنرفض ما تحمله هذه العقول من أراء وتصـورات فنجعلها تحت مجهر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية, فنتعرف عندئذ على الخطـــأ والصواب, وهذا المعنى هو الذي أمر الله به في كتابه قال سبحانه وتعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله ) وقال تعالى ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ثم إن الأحكام الشرعية والتشريعات الغيبية أمور لا تطيقها العقول البشرية, ولذلك كان من حكمة الله ورحمته أن جعل علمها إليه إلا ما شاء الله كما قال تعالى ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) وكمثل قوله (يسألونك عن الروح قل الروح  من أمر  ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) والواجب على المؤمنين أن يؤمنوا بما جاء به الله ورسوله دون تردد أو ارتياب .( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )
ولقد كان السلف يستشعرون ذلك ويطبقونه في تلقيهم لشريعة ربهم, ومن رأوا منه خلاف ذلك نبذوه ونفروا منه, فان تمادى عزروه وهجروه وقاطعوه,والأمثلة في ذلك كثيرة .
منها : ما جاء عن عمر رضي الله عنه انه بلغه أن رجلاً يفتش في المتشابهات من الآيات القرآنية ويدخل عقله في معانيها تعدياً فما كان من الفاروق إلا أن جاء به فضربه ضربا شديدا ونادى بالمسلمين أن يهجروه ويقاطعوه . وهذا عبد الله بن مغفل رضي الله عنه يذكر حديثا فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الحصاة الصغيرة فقال رجل :وما بأس هذا؟ فقال عبد الله مغضباً : إني أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول هذا والله لا أكلمك أبدا . وهذا عمران بن حصين يـروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الحياء كله خير" فقال رجل إن فيه ضعفاً وإن منه لعجزاً فقال عمران له مغضباً : أحدثك عن رسول الله وتجيء بالمعارضة ؟ لا أحدثك بحديث ما عرفتك . هكذا يؤمنون بالكتاب والسنة ويقفون عند حدود الله ورسوله لا يتعدون عليها بعقولهم القاصرة ولا بآرائهم الخاسرة فأولئك حقاً هم المفلحون وغيرهم هم الأخسـرون وإن حسبوا أنهم يُحسنون صنعا .
*الشُبهات أمرها عظيمٌ وخطرها جسيم, ولذلك ذكر أهل العلم أن الشيطان يسعد بالشبهة في قلب العبد ويفرح بها, مالا يفرح بمعصيته ووقوعه في شهوة عارضة, فالشهوة دقائق معدودة فإذا انقطعت  رجع العبد وأناب أما الشبهة والبدعة فإنها تلتصق بالقلب أياما وسنين وقد لا يجد العبد من يرفعها عن قلبه ويزيلها ولذلك حذر العـلماء من تلقي الشبهات ونفروا من مجالسة أهل الشبه والبدع وزجروا عن قراءة كتاباتهم وأوصوا  بإحراق كتبهم كل ذلك حفاظا على قلب المؤمن نقياً تقياً مطمئناً.
إن كثيرا من الناس يظن أن القنوات الفضائية الوافدة قد أغرقت شبابنا وفتياتنا بشهوات فحسب ولكن  هؤلاء نسوا أن هذه الوسـائل لم تقف عند هذا الحد بل تعدته إلى بث الشبهات في عقول الأسر المسلمة, فكان عاقبة ذلك التشكيكُ في كل شيء حتى تزعزع الإيمان في قلوب الكثيرين  من المتابعين لها, ويدور حديث الناس في  الآونة الأخيرة عن ندوات تعرض في وسائل الإعلام هذه تطرح للنقاش أموراً لا يجوز فيها النقاش أصلا ويرغبون الناس بمشاهدتها ومتابعتها تحت مسـميـات مزخرفة "الرأي ..والرأي الآخر " " أكثر من رأي " ويجعلون للمشاهدين فرصة للتكلم والسؤال من خلال الاتصال الهاتفي وقد حدث من رأى ذلك وسمع به أنهم يجـعلون الأحكام الشرعية تحت مجهر عقولهم البشرية ففي إحدى القنوات جلست امرأة متبرجة أمام رجل ذي سمت ديني وجعلوا الحجاب الإسلامي موضوع النقاش ثم توصلوا إلى أنه عادة من العادات, وفي قناة أخرى جلس رجل مع امرأتين إحداهن مفكرة علمانية والأخرى صاحبة دراسات إسلامية وكان النقـاش حول موضوع تعدد الزوجات, ومنعه وفي إحدى البرامج الإذاعية كانت الندوة عن الربا وتوصل الزعيم الأكبر فيها إلى أن الفوائد الربوية ضرورة عصرية تؤيدها المقاصد الشرعية, وتتجلى لنا الخطورة في هذه البرامج إذا علمنا أن الذين يستمعون إليها ويشاهدونها ليسوا من طلبة العلم الشرعي أو ممن تعرف على دينه حق المعرفة, بل يستمع إلى هؤلاء أفواج من عامة المسلمين من الأميين وأنصاف المثقفين فإذا استمع هؤلاء البسطاء لذلك الذي يدعو إلى تحكيم العقــول في كل شيء أعجبهم كلامه وتأثروا بأقواله بعدها يجلس هؤلاء يرددون الشبهات هنا وهناك ويفسدون في الأرض وهم لا يشـعرون (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) إن هذه البرامج دعوة مغلفة لتقديـس العقول وشحذ لها للتدخل في ما لا تحسنه إنها جرٌّ للعقول إلى الغرور وعندها لن تستجيب لأوامر الله والرسول ولو قيل لها ما قيل, إنها دعوة لإغراق الناس في مناظراتِ وجدالِ فاسد, لا يقوم على الحق ولا يراد بها الوصول إليه.
*إن الأصل في ديننا إتباع ما جاء في الكتاب والسنة فإذا جاء أمر الله ورسوله قال المسلم سمعنا واطعنا فان بين الله ورسوله الحكمة من هذه العبادة أو تلك فهذا فضل من الله ونعمة وعلى هذا إذا سمعنا شيئـاً من أمور الدين وعقلناه وفهمناه فلله الحمد على ذلك ومنه التوفيق ومالم نُطِـق إدراكه وفهمه أمنا به وصدقناه واعتقدنا أن هذا من عظيم ربوبيته سبحانه وتعالى واكتفينا في ذلك انه من علم الله ومشيئته (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا واطعنا وألئك   هم المفلحون ) انظروا إلى عمر رضي الله عنه وهو يقبل الحجر الأسود يقول : اني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسـلم يقبلك ما قبلتك " وانظروا إلى عائشة رضي الله عنها حينما سألتها معاذة : ما بـال الحائض تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة ؟ فقالت عائشة مغضبة :أحرورية أنت ؟؟تقول هل أنت من فرق الخوارج الذين يحكمون عقولهم في الشرع فقالت المرأة :لست بحرورية ولكني أسال : فقالت عائشة رضي الله عنها : كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة .
إذاً استجيبي لأمر الله وافعلي ما تؤمرين ( ما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )
وجاء عن الشافعي انه جاءه رجل فسأله عن مسالة فقال الشافعي له : قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا : فقال ذلك الرجل : ما تقول أنت ؟  فقال الشافعي : سبحان الله أتراني في كنيسة ؟ تراني في بيعة ؟ تراني على وسطي زنار ؟ أقول لك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : ما تقول أنت ؟؟

هكذا يستجيبون لأوامر الله ورسوله ويطمئنون بها دون جدال ومكابرة والمتأمل لكتاب الله يجد الذم لأهل الجدال بغير حق كما تلحظ ذلك في قوله تعالى :   ( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب * الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم .. كُبر مقتاً عند الله وعند الذين أمنوا .. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) فمن عارض الوحي بآراء الرجال كان قوله مشتقاً من أقوال هؤلاء الضُلال , قال مالك رحمه الله : أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لجدله " إذاً تعمى بصائرنا وتختلط علينا الأمور ونزيغ بعد إذ هدانا الله  .