لقد
خرج العربُ بعد إسلامهم يحملون رسالة ً خالدةً ، خرجوا يحملون في قلوبهم كتاب الله
ومنهجاً نبوياً واضح المعالم ، وعند ذلك عرفوا المنطلق ، وفهموا الغاية ,فكانوا من
بعد خير أُمةٍ أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وخرج من تلك الأُمةِ الخيّرة ، أولئك
الشباب المسلم ، خرجوا يحملون عقيدة ثابتة لا يحيدهم عنها ضالٌ مضل ، ولا ينحرف
بمبادئهم الأصيلة فاسق منحرف ,فعاش شبابُ الإسلام بفكرٍ ناضج وهمةٍ عالية ، لا
فراغ في قلوبهم ولا في فكرهم ,عزتهم بإسلامهم ، وقوتهم بإيمانهم، وتوكلهم على الله
، ولكن هيئات أن يقبل بذلك الأعداء ، فلقد تربص المتربصون بالإسلام وأهله ودارت
المعارك الدامية ، سُفكت الدماءُ واشتدت المواجهة
وحمى الوطيس، فإذا بشباب الإسلام يرجعون إلى إسلامهم أقوى وأنكى ضد العدو،
أصبحوا مجاهدين في سبيل الله يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، ويرددون قول الأول:
يا حبذا الجنةُ واقترابُها
|
|
طيبةٌ وباردٌ شرابُها
|
والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها
|
|
كافرةٌ بعيدةٌ أنسابُها
|
وبعد
هذه التجارب القاسية ، تقرر لأعداء الإسلام أنه لا يمكنُ الدخولُ على الشباب
المسلم بالقوة العسكرية ، ولا بالإرهاب الاستعماري ، إذاً فكيف يكون المكر بهم ؟
لا سبيل للمكر بهم إلا بالأساليب الخفية ، التي ظاهرُها الرحمةُ وباطنها أشدَّ
العذاب ، وسار أعداء الله على هذا الكيد بخطوات بطيئة ، ولكنها كما يقال أكيدةٌ
المفعول فما هي إلا سنوات معدودة ، فإذا بشباب الأمس ينقلبون إلى أفواج ممسوخة
اختلطت عليهم الأوراق ، وانقلبت لديهم الاهتمامات ، فأصبحوا يهتمون بقضايا ثانوية
وطموحات عادية ، ومنهم من صار إلى حال خطيرة ، فلقد أصبح يكره الإسلام وشرائعه
والعياذ بالله .
* لقد
خرج كثيرٌ من شباب الإسلام من جهل إلى جهل ، ومن ضعفٍ إلى ضعف , فمن هو الذي تسبب
في ضياع شبابنا ؟ ومن هو الذي أخذ بناصيتهم فأغرقهم في سُبل الشيطان ؟هل يكفي أن
يقال أعداء الإسلام تسببوا بذلك ؟ إنه جواب لا يكفي ولا يشفي ، فإننا في زمن أصبح
الأعداءُ يتشكلون بأشكال متعددة ويداهمون شباب الإسلام بلسان التلبيس والتدليس ،
ولذلك كله كان لزاماً علينا التفصيلُ في القول ، والتوضيح في الجواب وبيانه .
والسؤال : من
ضيع شبابنا ؟
أولاً : ضيعهم كيدُ اليهودُ
والنصارى وأذنابهم , فإن اليهود والنصارى كما لا يخفى ، لا يريدون من شباب الإسلام
، إلا أن تنصرف قلوُبُهم للبحث عن الراحة والدعةِ والكسل ، وأن يكون همُهُم في
الدنيا إشباعُ الشهوات وتتبع الغرائز ، ومن ذلك ما ذكره اليهود في بروتوكولاتهم
المسماة بروتوكلات حكماء صهيون والذي
صرحوا فيه بما نصه قالوا : (( قد تمكنا من تضليل غير اليهود ، وإفسادُهُم خُلقياً وحملهم
على البلادة عن طريق تعليمهم المبادئ ، الني نعتبرها نحن باطلةٌ ، على الرغم من إيحائنا
بها ))
. وقالوا : (( ولكي نمنع الجماهير من أن تتخذ ، مستقلةً ، أي
قرار فإننا نلهيها بالألعاب ومشاهد الترفية والأهواء .. كالفن والرياضة بكل
أنواعها ، وهذه الملاهي سوف تصرفُ أذهان الجماهير
بشكل نهائي ..)) . وكما قال أحد القساوسة النصارى (( .. جاء النشء الإسلامي
مطابقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور , يسعى للحصول على الشهوات بأي
أسلوب حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة.. )) هذا بعض كلامهم وما خفي
أعظم, أما وقد حددوا الهدف ، فإن التخطيط لبلوغه صُرفت فيه المبالغ الطائلة
والسنوات العديدة وكانت ثمرتُهُ اليانعةُ في نظرهم هي (( دعاة التغريب)) ، وهم أناسٌ يتكلمون
بألسنتنا فلا يرتاب بهم مرتاب ، ويحققون المراد بأساليب يسيرة وفي أزمنة قصيرة .
ولقد
سارع((
دعاة
التغريب )) لتنفيذ ما يريدهُ
أسيادهم من حيث يشعرون أولا يشعرون وكانت
منطلقات دعوتهم لتغريب الشباب ، منطلقاتٌ عديدة منها 1- الدعوة إلى الفوضى الدينية :
فإن هؤلاء المستغربين المخربين استغلوا جهل الشباب بالكتاب
والسنة لتضييعهم عن دينهم وضرب بعضه ببعض ، فكانت النتيجة المؤلمة ، أن يعيش بعض
شبابنا في فوضى دينية يختلط فيها الحابل بالنابل .
2- قلبُ المفاهيم : وهو منطلقٌ سار عليه دعاةُ
التغريب واستغلوا له كل الوسائل، وقد استطاعوا أن يمسخوا بعض الثوابت عند أبناء
المسلمين ، فاستحسنوا القبيح واستقبحوا الحسن لذا ترى بعض شباب المسلمين سار في
حياته معتقداً ، أن الطريقة الفضلى للحياة هي طريقة الغرب في كل شي ، ولذلك أصبحنا
نراهم يقلدون الكفار في حياتهم ولباسهم ، بل وفي اهتماماتهم اليومية .
3- دعوة شبابنا إلى الحرية العرجاء: فأخرجوا أبناء الإسلام من عبادة
الله إلى عبادة الهوى وما تشتهيه الأنفس ، كما قال تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا
" { (43) سورة الفرقان} . وما علم هؤلاء أنهم قد وقعوا في الفخ
التغريبي الشيطاني :
هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلو برق النفس والشيطان
إن
هؤلاء الدعاةَ الذين جندوا أنفسهم للتغريب ، يذكرنا حالهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( تكون بعدي ائمةٌ لا يهتدون
بهديي ولا يستنون بسنتي وسيكون فيكم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان أنس )) . رواه مسلم .
وقد
ضيعوا شبابنا من خلال مقالات صحفية وحوارات إذاعية ومقابلات في القنوات الفضائية
وإشاعةٍ للأفلام والمسلسلات الغربية .
ثانياً : أصحاب الأقلام المسمومة : فهم ساهموا في ضياع نخبةٍ كبيرةٍ من شباب الأمة ، ومنهم المؤلفون في الجنس وقصص الغرام ، فهم يحملون بأيديهم معاولَ التهديم في
صرح كياننا الداخلي ومن هذه الأقلام المسمومة ، الشُعراء الماجنون قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
(225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ" { (226)
سورة الشعراء}.
لقد وجهوا بعض شباب الأمة إلى الغرام والعشق والهيام .
فأين
الدين بعد هذا الحبُ الحرام ؟وأين نُصرة المسلمين ؟ ضاعت في غرام وهيام.
وممن
تسببوا في ضياع الشباب المنتجون للمجلات الهابطة ولذلك في دراسة في إحدى دول الخليج تبين أن من أسباب انتشار
الجرائم ، نقلُ أخبار جرائم الاغتصاب في الجرائد والمجلات بتفصيل دون حياء أو أدب,
ولذلك تبين أن أكثر من واحد وأربعين
بالمائة ، من الشباب الذين قُبض عليهم في جريمةٍ أخلاقية ، كانوا يقتنون مجلات
جنسية ،
إنه
لحق ترتجف له النفسُ فَرَقا ويقشعرُّ
له الوجدان رعباً
ثالثاً : تجارُ المخدرات والمسكرات فلقد قتلوا طموحات الشباب الدينية
والدنيوية، أليس بضياع أن يبيع الشابُ ماله وعرضه وشرفه من أجل حبوب بيضاء وحُقنٍ
حمراء ؟ لقد اُرتكبت الجرائم للحصول على ثمن المخدرات وارتكبت السرقاتُ ليتجرع بها
السارقون حبوب الموت، بل باعوا أعراضهم في سبيل حُقن قاتله , والعياذ بالله .
*رابعاً :، جلساء السوء ، فهم سببٌ رئيس من أسباب الانحراف والفساد
في صفوف الشباب ، إنهم قوم فاسدون في المجتمع ، لا يفكرون إلا بالإثم ، ولا تطوف
في أذهانهم إلا المنكرات ، إنهم فئةٌ توجدُ حيثُ نهى الله ، وتفقد حيث أمر الله ،
تنام في نهار الفضيلة وتستيقظ في ليل الضلالة .
جُلساءُ
السوء ربما كانوا فئةً شيطانية ، تشاركُ الموظف في وظيفته و تشارك الطالب في مقاعد
دراسته ، ولربما كان أحد هؤلاء الشياطين ،
يلبس لباسَ الجارِ المُحب أو الصديق المُخلص، و عندهم أساليبُ ترغيبية وطرائقُ
تشجيعية ، كُلُها تأخذ بيد الغافل إلى فسقٍ
ومجون ، وضياعٍ وجنون .
كم
ضل بسبب الأشرار مهتدي ؟ وكم انحرف بسببهم مستقيم ؟إن من جلساء السوء ، من تسبب في
إفساد العقيدة وتشويه الملة والديانة عند الشباب ،وإن منهم من تسبب في إدخال بعض الغافلين والغافلات في
دائرة الزنا واللواط والعياذ بالله. وإن منهم من تسبب في إفساد أخلاق بعض الشباب ، أفسدوا أخلاقهم بالسفر المحرم ، والأفلام الساقطة ، ثم
قد تكون النتيجة ، شبابُ يُرسلونَ بأجسادٍ سوداء من أمراض المخدرات أو من أثار
الإيدز وأمراض الجنس.
* وعاقبةُ هذا الضياع لشبابنا ، عاقبةٌ أخبر
عنها اللهُ ورسوله صلى الله عليه وسلم ألا
نتدبر قول الله في محكم كتابه ( وَيَوْمَ
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا
(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ
للإِنسَانِ خَذُولًا (29) " {سورة الفرقان} .ألا نتفهم قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما مثلُ الجليس الطيب
وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحاملُ المسك إما أن تبتاع منه وإما أن يحذيك
أو تجد منه ريحاً طيبه ، ونافخ الكير إما
أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة كريهة )) .
أخي
الشاب ، أُذكرك بوصية الله في كتابه (
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" { (28) سورة الكهف} .
فالله
الله بالصحبة الصالحة وإياك وقرناء السوء ,إنك يوم تعاشر الصالحين ، تستفيد منهم
إيماناً إلى إيمانك ، قال صلى الله عليه وسلم : (( المرءُ على دينِ خليله ،
فلينظر أحدكم من يخالل)) . وتستفيدْ بمصاحبتهم الأجر والثواب ، كما جاء في الحديث
القدسي يقول الله عز وجل عن أهل الذكر : (( أُشهدُكم أنني قد غفرتُ لهم
فتقولوا الملائكة : (( فيهم عبُدك فُلان ما جاء
راغباً , إنما جاء لحاجة فيقول الله عز وجل : (( إني قد غفرتُ له فإنهم
الجُلساء لا يشقى بهم جليسُهُمْ ))
رواه
البخاري.
*
ولقد أمر الله بمجانبة الأشرار والابتعاد عنهم فقال تعالى في كتابه ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" { (28) سورة الكهف} . فإن أبيت وصاحبت الأشرار
فابشر بالحادٍ أو فجور ، أو أقل من ذلك أخلاقٍ سافلة ، كذبٍ وغيبةٍ وفواحش وآثام
أو سهرات ومخدرات – والعياذ بالله – كما قال صلى الله عليه وسلم (( إما أن يُحرق ثيابك أو تجد
منه رائحة كريهة
)) . إن هؤلاء القرناء ، لهم صور متعددة ، فمنهم القريب ومنهم
البعيد ومنهم الكبارُ ومنهم الصغار ، فإن هؤلاء القرناء مفاتيح للشر كما وصفهم
بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عليه الصلاة
والسلام : ((
إن من الناس
مفاتيح للشر ، مغاليق للخير
.. إلى أن قال : (( وويلٌ
لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه )) .
أيها
الآباء ، إن الشباب أمانة بين أيديكم فانظروا إليهم مع من يسيرون ؟ومع من يذهبون
ويركبون ؟ إن من الواجب أن نبين لهم خطورة معاشرة السيئين ولو كانوا من الأرحام
والمقربين .. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...
" { (6) سورة التحريم} . ترقبوا أفكارهم حتى لا تضل وحذروهم من
التلقي عن دعاة التغريب والتخريب والأقلام المسمومة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق