الاثنين، 11 يوليو 2016

لماذا يتراجعون عن الاستقامة على الدين؟

قبل أن نعيش  مع اعترافات أولئك الذين تراجعوا وانتكسوا عن استقامتهم لا بد أن نقف مع تقارير أطباء القلوب ، ليؤكدوا لنا بعض الأمور المهمة في هذا الموضوع وهي كلمات تكشف لنا أسباب الانتكاسة الخفية التي لا يلتفت  إليها الكثيرون .
التقرير الأول : من لم يعتصم بالله ابتلي بالضلالة .
قال ابن القيم-رحمة الله- : (( فإن (العبد) لو اعتصم بالله لما خرج عن هداية الطاعة  قال الله تعالى : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " فلو كملت عصمتهُ بالله لم يخذله أبداً ، قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" أي : متى اعتصمتم به تولاكم ، ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان ، وهما العدوان اللذان لا يفارقان العبد ... وكمالُ النصرة على العدو بحسب كمال الاعتصام بالله ( ونقض هذا الاعتصام يؤدي إلى الانخلاع من عصمة الله ) ، وهو حقيقة الخذلان فما خلَّى الله بينك وبين الذنب إلا بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك ، ولو عصمك ووفقك لما وجد الذنبُ إليك سبيلاً ... ))
التقرير الثاني : عدم الانقياد للشرع سبب للغواية .
قال الشيخ ابن سعدي-رحمه الله- في قوله تعالى :(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). قال في تفسيرها : (( إن الله تعالى إذا منَّ على قوم بالهداية وأمرهم بسلوك الصراط المستقيم ، فإنه تعالى، يتمم عليهم إحسانه، ويبين لهم جميع ما يحتاجون إليه وتدعو إليه ضرورتهم، فلا يتركهم ضالين جاهلين بأمور دينهم ففي هذا دليلٌ على كمال رحمته ويحتمل أن المراد ( بهذه الآية ) فإذا بيّن لهم على ردهم الحق المبين والأول أولى )) 
أما من جاهد نفسه على التمسك بدين الله وصبر صابر فإن الله ييسر له الثبات، قال تعالى :(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) .
قال ابن سعدي في تفسيرها : (( دل هذا على أن أخرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد ، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه الله ويسر له أسباب الهداية ... )) .
 "
وفي قوله تعالى :( ... وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)66 (وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا)67" سورة النساء( وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)68" " سورة النساء .
قال ابن سعدي في تفسيرها : ( وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا " فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذين هو القيام بما وعظوا به ... )
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: وأما اشتغاله بالسيئات، فهو عقوبة عدم علمه للحسنات ))  . قال تعالى: ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )(الصف) .
التقرير الثالث : من لم يبتغ بالدين وجه الله ضلَّ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله : (( إن إخلاص الدين لله يمنع من تسلط الشيطان ومن ولاية الشيطان التي توجب العذاب كما قال تعالى : ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف) . فإذا أخلص العبد لربه الدين ، كان هذا مانعاً له من فعل ضد ذلك، ومن إيقاع الشيطان له في ضد ذلك، وإذا لم يخلص لربه الدين، ولم يفعل ما خُلق له، وفُطر عليه عوقب على ذلك، وكان من عقابه تسلط الشيطان عليه، حتى يُزين له فعل السيئات، وكان إلهامه لجوره عقوبة له على كونه لم يتق  الله ))  .
ونقل  الحافظ ابن حجر معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم : (( وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غيرُ ذراع أو ذراعين، فيسبق  عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها )). بقول عبدالحق في ((كتابه العاقبة )) قال: ((إن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره وإنما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب ويكثر وقوعه للمصرِّ على الكبائر والمجزئ على العظائم فيهجم عليه الموت بغته فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة ...))  قال ابن حجر بعدها : (( فهو محمولٌ على الأكثر الأغلب )) .
التقرير الرابع : التساهل بالذنوب سبيل الضلالة .
قال ابن القيم رحمه الله : ((فإذا اشتدت غفلته إلى هذا  الحد (أي عن ذنوبه ) نقلته ولابد إلى الإصرار ، وهو الاستقرار  على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر ، لعلَّه أعظم من الذنب الأول بكثير، وهذا من عقوبة الذنب : إنه يوجب ذنباً أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يستحكم الهلاك )) . وقال في موضوع آخر: (( أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه أو توثقه وتقطعه عن السير ، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه فالذنب يحجب الواصل ، ويقطع السائر ، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعاً يصعب تداركه والله المستعان)) 

وقد أخبر بذلك  الرسول صلى الله عليه وسلم :(( إياكم ومحقرات الذنوب  كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود، حتى انضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه)) 
التقرير الخامس : اتباع الهوى سبيل الردى :
قال تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)175"وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ) 176" " سورة الأعراف .
قال ابن القيم رحمه الله : (( أنه يُخاف على من اتبع الهوى أن ينسلخ من الإيمان وهو لا يشعر )) .
وقال : (( أن اتباع الهوى من المهلكات، واستدل بقوله × ثلاث مهلكات : (( وأما المهلكات فهوى  متبع وشح مطاع ، وإعجاب المرء بنفسه )) .
وقال :  (( أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه ، فإنه يُطيفُ به من أين يدخل عليه حتى يفسد عليه قلبه وأعماله ، فلا يجد مدخلاً عليه إلا من باب الهوى ، فيسري معه سريان السم في الأعصاب )) .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق