الجمعة، 15 يوليو 2016

الجوال نعمة أم نقمة

إن من النعم التي يسرها الله في هذا الزمان نعمة سهولة الاتصالات ، عبر وسائل شتى ثابتة ومتنقلة ، وهذه النعم إنما يكون شكرها باستعمالها واستغلالها استغلالاً صحيحا ، ولا يكون ذلك إلا بجعل هذه الوسائل فيما هو من طاعة الله ، أو على الأقل فيما أباح الله 
وما أجمل أن يستخدم الهاتف لتقوية المودة بين الأب وابنه وبين الزوج وزوجه وبين المرء وأرحامه 
*ولقد جعل بعض الموفقون هذه الوسائل معينة لهم على الطاعة فيستغلونها في الدعوة إلى الله ، ونصيحة مجتمعهم وإصلاح ذات البين ، بل وإنقاذ الآخرين من أزمات ومشكلات ، وهكذا جعلوها لتفريج الكربات والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهم معها من خير إلى خير
 *لكن فئة من الناس ذكوراً وإناثاً وشباباً وشيبا ، جعلوا الهواتف عموماً والمتنقلة خصوصاً سبيلا للعبث وتجاوزوا بها الحدود الشرعية والآداب المرعية
ومن مظاهر هذا العبث :-
أولاً : إطالة المكالمات مع هذا وذاك وما يتضمن ذلك من إضاعة للأوقات وتبذير للمال ، ولذا فمن الناس من اعتاد على الإطالة في المكالمات دون كلل أو ملل ،  ويترتب عليه في ذلك تكاليف مادية باهظة ، وترى هؤلاء يستقبلون هذه التكاليف المادية  للاتصالات بتذمر شديد ويدفعون جزءا كبيرا من أموالهم مقابل ذلك ثم يكررون فعلتهم هذه بلا مبالاة ، وهذا عبث بالوقت وعبث بالمال ، وليس هذا من سمة الراشدين فلقد كره الله لنا ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال
ثانيا : يتجاوز البعض في المكالمات بكلمات قبيحة أو يسترسل في الغيبة والنميمة ويتناسون تماماً أنه ما من كلمة يتلفظ بها المرء إلا وقد حفظت أحصاها الله ونساها هؤلاء 
ثالثا : العبث بأجهزة الجوال من خلال خدمة الرسائل المكتوبة ، وفي صحيفة محلية وفى استطلاع لها تكشفت هذه الأرقام خلال شهر واحد فحسب ففي استبيان وزع على ثلاثمائة وأربع وعشرين من الأفراد تتراوح أعمارهم بين خمس عشرة وخمس وأربعين سنة ، وكانت النسب كما يلي :
59% من رسائل الجوال للطُرف والنكت والسخرية 
27% من رسائل الجوال لقضايا خاصة 
14% من رسائل الجوال للطلبات المتأكدة 
بقي أن نعلم ما هو محتوى هذه الرسائل ,إنها النكت والسخرية والاستهزاء ، والبعض تجاوز ذلك إلى إرسال رسائل على هيئة رموز وصور تخدش الأخلاق والحياء  ، وآخرون لا ينفكون عن  إرسال الإشاعات والأخبار الكاذبة وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع 
رابعاً : من مظاهر العبث متابعة شراء الجديد من الأجهزة النقالة، وبهرجة جهاز النقال وكأنما هو زينة لا وسيلة  ، وصاحب ذلك البلاء المعروف بتجديد النغمات للأجهزة المتنقلة وانظر يا رعاك الله إلى ما وصل إليه الشباب في ذلك ففي لقاء في صحيفة محلية مع بعض الشباب كان الحوار حول هذه الأجهزة وحول النغمات المتجددة لها فيقول أحدهم  وهو طالب في الثانوية : إنني أجمع وأدخر مبالغ  وجبة الإفطار في المدرسة لكي أتمكن من تبديل وتجديد نغمات جوالي مرتان في كل أسبوع ، وهذا يكلفني قرابة الأربعين ريالاً تقريباً !! ، و هذه النغمات التي يجمع من أجلها هؤلاء الشباب أموالهم إنما هي مقاطع موسيقية وبألحان لأغاني عربية وغربية ، ويكفيك معرفة بالرجل عندما تسمع نغمة جواله فمن خلالها تعطيك إشارات حقيقة عن مقدار جدية هذا الرجل واهتماماته فهل وصلنا إلى درجة من الترف أن لا نريد أن تنبهنا هواتفنا إلا على أنغام المعازف المحرمة؟ 
 ومما يتفطر له القلب وتدمع له العين أن هذه المعازف صارت ترتفع في كل مكان حتى زاحمت الأخيار في مساجدهم فأزعجت المصلين وآذت المصابين على أسرتهم ، بل حتى في المقابر تعزف الجوالات النغمات على رؤوس الأحياء والأموات 
 ومظهرٌ خامس من مظاهر العبث وهو استخدام أجهزة الهواتف الثابتة والمتنقلة  في ما يسمى بالقمار الهاتفي ، فلقد هرع عدد من الناس يتصلون على أرقام محددة يدفعون أجرة لها سبعة ريالات أو نحوها للدقيقة الواحدة, وهى لا تستحق ذلك على الحقيقة وإنما هو مبلغ زائد يدفعه المتصل ليدخل في مسابقة قد يخرج منها  بخسارة هذه الريالات أو يكسب معها مئات الآلاف من الريالات وهذا هو القمار بعينه, ومنها تركيب النغمات وإهداء الأغنيات ونحوها.
هذا كله يعلن عنه في الشوارع وهذا من إعلان المنكر وما صدر هذا إلا من قلة قدر المولى جل وعلا في قلوبهم (( وما قدروا الله حق قدره )) ولكنهم سيحملون أوزار الناس مع أوزارهم  
سادساً : العبث بالمكالمات المحرمة بين الجنسين , فمن المآسي التي تيسرت مع توفر أجهزت الهواتف النقالة ما يسمى بالمعاكسات ، إنها صورة من العبث بالأعراض والتلاعب بفتيات المسلمين وإن القائمين على أمور الحسبة يقررون أن كثيراً من الفواحش واستغفال الفتيات إنما يكون الاتصال الهاتفي أحد أركانه إما في أوله أو أوسطه أو في أخره ، ومع توفر الهواتف الخاصة للفتيات انتشرت النار في الهشيم وكانت الفاجعة لعدد من أولياء الأمور ولكن بعد فوات الأوان ! وكم من شاب يافع نافع اتصلت عليه فتاة لعوب فأسهرت ليله وأسعدته بالشقاء ، فضيع دينه وخسر دنياه ، وكم من فتاة مؤمنة غافلة استغفلها شاب خبيث مريض القلب فأغراها بالأوهام ورفعها إلى دنيا الأحلام حتى إذا أفاقت إذا بها قد هتك عرضها أو دون ذلك خسران بين لحيائها وعفتها 
سابعاً : استعمال أجهزة الجوال ذات الكاميرات في التصوير المحرم , فمن المراهقات من يُدخلن هذه الأجهزة في مدارس البنات أو الأسواق المخصصة للنساء ويقمن بتصوير المؤمنات الغافلات ومعلوم ما في ذلك من المخاطر .
* وبعد ما تقدم نهدى هذه الوصايا لكل مستخدم لهذا الجهاز ، وأول ما نوصى به أن نجعل هذه الوسيلة نعمة لا نقمة ، وأن نتذكر أنه ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) فكل كلمة تخرج من فمك في صحيفتك مكتوبة, وكل ما طبعته من رسائل عليك محسوبة وفى صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم (( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها في نار جهنم )) ولنتذكر جميعا قول الأول :
  ومـا من كـاتب إلا سيفنى    ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء        يسـرك في القـيامة أن تراه
وثاني النصائح أن نهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فما كان فاحشاً ولا متفحشاً, فليترفع هؤلاء عن البذاءة والسخرية والله أمر المؤمنين بذلك قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم )) ثم جاءت الآيات بالنهى عن الغيبة (( ولا يغتب بعضكم بعضا  ولا تنابزوا بالألقاب )).
وثالث هذه الوصايا : التنبه التام من الوقوع فيما حرم الله من المقامرة والتي سقط في وحلها كثير من الناس من حيث لا يشعرون .
ورابع هذه الوصايا : أن نتذكر حرمة المعازف (( وفي سؤال ورد للجنة الإفتاء قال السائل : يوجد في كثير من هواتف الجوال نغمات جرس موسيقية فهل يجوز وضع هذه النغمات بدلا من الجرس العادي ؟
فقالت اللجنة الدائمة للإفتاء حفظهم الله قالوا : لا يجوز استعمال النغمات الموسيقية في الهواتف أو غيرها من الأجهزة لأن استماع الآلات الموسيقية في الهواتف أو غيرها محرم ,كما دلت عليه الأدلة الشرعية ، ويمكن الاستغناء عنها باستعمال الجرس العادي ))

وخامس الوصايا : تنبيه المصلين في المساجد إلى أنه عند اشتغال أجهزتهم بالرنين يجوز لهم أن يُخرجوها من جيوبهم ويطفئوهاوهذه الحركة في الصلاة لمصلحة المصلي ومن كان مجاوراً له وسبباً للحفاظ على الخشوع للجميع . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق