لا يكاد ينجو شباب الأمة من فتنة إلا وأُبتلي بفتنة
أُخرى , وهذه الفتن المتتابعة فتن عمياء مظلمة غرق فيها من غرق , وسلم منها من سلم
, ولا نجاة لأحد من هذا البلاء إلا بالاعتصام بالله عز وجل .
ولعل من أكثر هذه الفتن شيوعاً ما يمكن أن نصفه
بفتنة " القيل وقال ", وهي كلمات تتناثر هنا وهناك لا يردعها إيمان
ولا يضبطها شرع , تُغذيها الحماسة العاطفية فتزيدها تشنجاً وقسوة , بل وبذاءة
وافتراء .
1) صور من واقع فتنة " القيل وقال " .
إذا تتبعت
هذه الفتنة وجدت أنها تجول وتصول في ميادين كثيرة , ومنها :
1- كثرة القيل وقال في المجالس العامة والولائم
والتجمعات العائلية.
2- التخبط في المكالمات والمهاتفات ونقل الإشاعات.
3- كثرة الكتابات التي تهرف بما لا تعرف , سواء في
المقالات الصحفية أو في المنتديات الكثيرة في مواقع الإنترنت .
4- الجرأة على الفتوى على الله بغير علم في وسائل
الإعلام المختلفة .
5- التطاول على العلماء بلمزهم والسخرية من فقههم .
6- تبادل رسائل ( الجوال ) في معاني تتجاوز الضوابط
الشرعية والآداب المرعية .
2) حتى لا
تقع في فتنة " القيل وقال ".
من المهم أن يتذكر
الإنسان بعض الوصايا ليسلم من الغرق في وحل هذه الفتنة العمياء , ولعل من أهمها :
أولاً :
استشعر مسئولية الكلمة .
فحريٌ بالإنسان أن
يتذكر أن الكلمة إذا خرجت من فمه فإنه يتحمل عاقبتها , والله عز وجل بين لنا أن
الملائكة تحصي كل لفظة كما قال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
), ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من عدم المبالاة في اختيار الكلمات ,ومما قاله : ( ... وإن
العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي بالاً يهوي بها في نار جهنم )
والحديث بتمامه في صحيح البخاري وغيره .
ولذا ليكن شعارك
الدائم هو قوله صلى الله عليه وسلم : ( قل خيراً أو لتصمت ) .
وتذكر وصية الأول :
أقلل
كلامـك واستعـذ من شره إن البلاء
ببعـضه مـقرونُ
واحفظ
لسانك واحتفظ من غيه حتى يكون كأنه
مسجونُ
ثانياً :
تذكر أن الكلمة المكتوبة محفوظة.
فحريٌ بالمرء أن
يتذكر أن الكلمة إذا خطها بيده فإنه يتحمل عاقبة ما كتب , والله عز وجل بين لنا أن
الأيدي ستشهد على أصحابها عن كل كلمة
كتبتها, وما أجمل وصية من قال في هذا الشأن :
ومـا
من كـاتب إلا سـيفنى ويُبقي الدهر ما
كتبت يداه
فلا
تكتب بكفك غير شيءٍ يسرك في القيـامة
أن تـراه
ثالثاً:
استعذ بالله من شر لسانك .
ويؤكد ذلك ما جاء عن
شكل بن حميد رضي الله عنه أنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله علمني
تعوذاً أتعوذ به , قال : فأخذ بكفي فقال : قال : ( اللهم إني أعوذ بك من شر
سمعي, ومن شر بصري , ومن شر لساني , ومن شر قلبي , ومن شر منيتي ) .
رابعاً :
إياك والكذب ونقل الإشاعات .
فالكذب وصمة عار لا
ينفعها أن تصبغ بالبياض, فالكذبة أبيضها وأسودها, و أصفرها وأحمرها كلها على درجة
واحدة .
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم في
بشاعة الكذب على الآخرين , قال : ( كبُرت خيانة أن تُحدث أخاك حديثاً هو لك به
مصدق وأنت به كاذب) روه أبو داود في سننه.
ومن الكذب نقل
الكلام مجازفة دون تثبت , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذباً أن يُحدث بكل ما
سمع ).
خامساً : من هتك ستر الناس فُضح .
فمن تتبع عورات الناس ,وشهر بزلاتهم
وضخم عيوبهم لم يسلم من الفضيحة في الدنيا والآخرة , ومن هتك ستر الناس هتك الله
ستره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويكفي الإنسان رهبة من هذا الفعل المشين أن يتذكر قوله
تعالى : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا
بهتاناً وإثماً مبينا ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق