إن من
طبيعة البشر تطلعهم لمعرفة أسرار المستقبل وخفايا الغيب ، ولأن من الغيب ما يكون
معرفته مرغباً للعمل الصالح وزاجراً عن الذنوب ، أشبع الله هذه الطبيعة البشرية
بأن أوحى لأنبيائه أخباراً من الغيب وأذن لهم أن يبلغوها أقوامهم، ومن ذلك علامات
الساعة وحال أهل الجنة وعذاب أهل النار، ولحكمة يعلمه الله منع ما عدا ذلك عن أن
يعرفه الإنس والجن والملائكة واختص به عز وجل، ومما جاء في تقرير هذا المعنى، قوله
تعالى : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )، وقوله تعالى
: ( عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول..ألآية ).
والآيات كثيرة في ثناء الله على المتقين الذين يؤمنون بالغيب، منها قوله تعالى : (
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ..ألآية
) فمن استسلم لهذا المعتقد وآمن بالغيب مما أخفاه الله اطمئن قلبه وانشرح صدره ولم
تزل قدمه.
*
وواقع الحال أن كثيراً من المسلمين تجاوزوا ما أمرهم الشرع به وسارعوا إلى سُبل شتى يبحثون عن المستقبل
أسراره وخفاياه ووقعوا في محذورات شركية من خلال تعاملهم مع السحرة والمشعوذين
والكهنة وأمثالهم ، وصار الأمر كما قال الله في الحديث القدسي: ( خلقت عبادي حنفاء
فاجتالتهم الشياطين).
ومما
ظهر على أرض الواقع من السحر والشعوذة : سحر التفريق والذي يُفرق به بين الزوج
وزوجته ، وسحر التخييل ومنه ما يحصل في مخيمات السيرك والملاهي يقلب اللاعب
المناديل إلى طيور فتصفق له الجماهير وكأنما نسوا أن ذلك إقراراً لهذا الباطل-
والعياذ بالله-.
ومن
الصور المتجددة للشعوذة والكهانة : قراءة الفنجان وفتح المناديل ، وتحضير الأرواح
والرسم على الرمال والتنجيم بربط أفعال البشر بالنجوم والكواكب ونحوها..
وقد
يظن البعض أن أعمال السحرة والكهنة أساطير قديمة لا وجود لها في هذه الأزمان، وهذا
غير صحيح ، بل إن تقنية الاتصال الحديثة والخواء الروحي عند الكثيرين ساعد في
انتشار هذه الأعمال الشريرة، ولذلك أمثلة كثيرة منها : ظهور مواقع إنترنت متخصصة
في السحر والكهانة، وظهور قنوات فضائية متخصصة في هذه الأعمال ، ومؤخراً استغل
السحرة والكهنة الاتصال الدولي على أرقام عشوائية والاحتيال على الناس باسم
النصيحة وتقديم الطب الروحي!!.
*
ينبغي أن نعلم أن أدعياء الغيب لا يخبرون أحداً إلا عن أمرين : أولهما:الحديث عن
أمر قد مضى وانقضى..وهذا ليس من الغيب بل للسحرة والمشعوذين جواسيسهم من الجان ما
يخبرونهم عن ما مضى لكل شخص ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن لكل إنسان قرينه من الجن.
وثانيهما : أن يتحدث الكاهن والعراف بشيء من
يسير من أخبار المستقبل ويزيد على ذلك بكلام عام يحتمل جميع تقلبات الحياة، فيلبس
عل عامة الناس ويفتنهم.
بل
إن بعض الكهنة- ولأن أنفسهم خبيثة- تتلبس بهم الشياطين فتنطق بألسنتهم أو توحي
إليهم ما يقولون ..وهذا مما بينه الله في كتابه ، قال تعالى : ( شياطين الإنس
والجن يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا ).وأكثر هؤلاء الكهان كاذبون ، قال
الله تعالى في وصف حالهم : ( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كلّ أفاك
أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ).
وفي
مجالس العامة تجد من البعض استغراباً أن ما يتكلم به المشعوذون عن أمور المستقبل
يقع بعضه كما قالوا!! والجواب على الشبهة يتضح بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا
قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على
صفوان فإذا فُزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير،
فيسمعها مستق السمع ( أي من الجن ) ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ( كل واحد
يسمعها فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان
الساحر أو الكاهن فيكذب معها مائة كذبة ) والحديث بتمامه رواه البخاري.
*
وممن يدعي علم الغيب المنجمون ولهم برامج في الفضائيات وصفحات في الجرائد
والمجلات، والتنجيم من السحر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من
اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد) رواه ابو داود باسناد
صحيح.
وقد
أثبت الله كذبهم في ادعاء الغيب في مواقف عديدة، قديمة وحديثة، ولعل من أشهرها :
*
ذكر ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- : أنه لما أراد علي بن ابي طالب رضي الله
عنه أن يسافر لقتال الخوارج عرض له ( مُنجم ) فقال : يا أمير المؤمنين لا تسافر
فإن القمر في العقرب فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزم أصحابك ، فقال علي رضي
الله عنه: بل نسافر ثقة بالله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك فسافر علي رضي الله
عنه بجيشه وكان النصر حليفه وظهر كذب المنجم..
*
ومما ذُكر أن المنجمين قالوا أن نهاية العالم ستكون بحلول عام ستة وثمانين وتسعة
عشر من الميلاد ..قالوا أن الأرض ستميل من محورها ، وسوف تختفي قاراتها بأكملها
وستنفجر البراكين ..- وبحمد الله – مرت السنوات على تأريخهم المزعوم ولم يحدث ما
ذكروا وبان للعالم كذبهم.
أخيراً ، ينبغي أن نعلم أن الكهانة والعرافة قد حسم الشرع أمرهما فقد ثبت في
صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة
أربعين ليلة )..وفي حديث البزار بسند صحيح : (ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد
كفر بما أُنزل على محمد ). فحريٌ لكل ناصح لنفسه وأهله أن يُعرض عن هذا الباطل
وأهله ولا يظلم نفسه وذويه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق