يتوهم بعض الشباب أن السعادة لا تكون إلا بالإغراق باللهو
واللعب ، ولذلك صور عديدة منها الشائعة ومنها النادرة .. نذكر منها :
1 – ممازحة
الأصحاب .
فقمة
السعادة لدى بعض الشباب أن يجد قرناء في فصله أو في ميدان عمله يشاركهم المزاح
القولي والفعلي البريء منه والفاحش .
2 – الألعاب
الرياضية والتشجيع .
ففوج كبير من
الشباب يرى أن السعادة الكبرى هي في متابعة أخبار نجوم الرياضة العالميين ،
ومزاولة لعب كرة القدم وهذه السعادة تتجاوز بهم عن القيام بالواجبات الشرعية فمن
أجل اللعب تُضيع الصلوات ، ومن أجلها يتم تجاهل كل ما هو جاد ومفيد .
·
وكم من شاب
تراه يسابق إلى الصف الأول في مدرجات الملاعب ، لكنه لايكاد يدرك الركعة الأخيرة
من صلاة الجمعة.
·
وكم من
شاب يصفق ويطبل ويصفر لفوز فريقه ، ويحزن ويبكي وتتفطر كبده لخسرانه ، لكنه متبلد
الإحساس عن قضايا الأمة ومآسيها .
·
وكم من
شاب يقضي الساعات الطوال في لعب البلوت والشطرنج ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة في
فنون هذه الألعاب إلا أحصاها وتعرف عليها .. بينما يشحُ بالدقائق على أن يبذلها في
خدمة الإسلام والمسلمين وفي إقامة شعائر الدين .
3 – " التفحيط " والمجازفة بالتهور
بالسيارات .
فتجد شاباً منتهى طموحه أن يحصل على سيارة ، وما إن يتمكن من ذلك
وتتوفر لـه إلا ويجعلها مطية للعبث والتهور والسباق والتمرد على رجال المرور ..
يقول أحد هؤلاء : " خرجت يوماً للدوران في الأحياء وبينما أنا كذلك رايت
سيارة مسرعة فلحقتها وتجاوزتها ففهم السائق الآخر أنني أتحداه فزاد من سرعته
فسبقني وبينما نحن في قمة المنافسة خرجنا من مدينتنا وقطعنا ما يقارب الأربعمائة
كيلو في سباق ساخن جداً .!!" .
ولا شك أن قطعهما لكل هذه المسافة إنما كان بحثاً عن الفوز بالسعادة
ومن طريف ما ذكر أن شباباً كانت سعادتهم اليومية هي في الذهاب والإياب في أحد
الشوارع مرة يذهبون إلى آخره ومرة يرجعون إلى أوله حتى سُمي الشارع بشارع " المسعى " – وأين العصى من السيف ؟
قيل : وحتى لاينقطع ذهابهم وإيابهم المستمر بسبب العطش اجتمع هؤلاء الشباب وجمعوا
مبلغاً وقاموا بشراء وتركيب ماكينة لتبريد الماء ووضعوها في طرف رصيف هذا الشارع
!! وكل ذلك في سبيل دوام سعادتهم بالدوران بسياراتهم .
* ومن الشباب من
لايجد السعادة إلا بارتقاء الرمال والمجازفة بالنزول من أعلى التلال الرملية أو
السير على زاوية صعبة قد تنتهي بانقلاب السيارة وتحطمها أو إلحاق الأذى بأنفسهم
والجماهير من حولهم !!
* وقفات مع هذه
السعادة الموهومة .
أولاً : اعترافات كبار الرياضيين بأن السعادة ليست بالرياضة .
1 - اللاعب " عبدالله عبدربه " يقول :
عرفتني الجماهير ، وكتبت عني الصحف والمجلات ، وبدأت أشق طريقي نحو الشهرة .. إلا
أني في الوقت نفسه كنت أشعر بالاكتئاب والقلق ولا أدري ما السبب ؟ "
وقال :" ظللت على هذه الحال عدة
سنوات ، فبدأت أشعر بشيء من الملل وأعاني من فراغ نفسي قاتل ، وأحسست بأنني بحاجة
شديدة إلى شيء ما أملأ به هذا الفراغ الذي كنت أعانيه ففكرت في ترك الكرة
والابتعاد عن الاجواء الرياضية .. ولزمت بيتي فترة من الزمن .. " .
وبعدما
تعرف على بعض الصالحين وعاش مع كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام
قال : أحسست بسعادة عظيمة تغمرني لا أستطيع لها وصفاً وندمت على أيام خلت قضيتها
بعيداً عن خالقي – عز وجل .." .
2 - ويقول مدرب سباحة بعدما أسلم :" أذهب للصلاة
فأجد متعة كبيرة في السجود لله كما أنني أصبحت أُحس باطمئنان نفسي كبير "وقال
:" لقد كانت حياتي السابقة ضرباً من الفوضى وعدم النظام فضلاًعن ضياع القيم
والأخلاق والمثل.."
ثانياً: أحوال كبار نجوم الرياضة .
لو
كانت السعادة في مزاولة الرياضة فحسب ، لما بحث كبار نجوم الرياضة عن متع أخرى ،
ولما اعتزلوا هذه الرياضة بعد حين ، وواقع الحال أن هؤلاء الرياضيين لا يجدون السعادة في هذا الميدان فيهرعون إلى
تخبط هنا وهناك ليجدوا السعادة فمنهم من يُخطئ الطريق ومنهم من يصيب..ومن صور ذلك:
1-
ماردونا :
نجم رياضي عالمي بلغت شهرته الآفاق ، وانتهى أمره إلى معاقرة
المخدرات وإدمان السهرات الحمراء .
2- بيليه ومحمد علي كلاي : يعتزلان
عالم الرياضة ويبتعدان عن شقاء الرياضة وتعاسة اللاعبين .. وغيرهما الكثير .
ثالثاُ: أحوال المشجعين على المدرجات .
إن
الناظر لأحوالهم لا يجد إلا الأعصاب المتوترة والعيون الناظرة بل إن بعضهم يتعاطى
المهدئات ويشعر بالخفقان وعند خسارة فريقه يبكي بكاء الطفل الصغير وكأنما فقد أحد
والديه !! ومن جهة أخرى : اللاعب قد يكسب لياقة جسمية وعافية لصحته من خلال اللعب
والتدريب ، ولكن الجماهير الغفيرة لا تلعب ولا تتحرك !!
وقد يسعد البعض لفوز فريقه ، ولكنه لا يلبث أياماً إلا ويخسر هذا
الفريق في مبارة أخرى فينقلب الفرح إلى حزن وترح . ولذا يقال لهؤلاء : فأين
السعادة في هذه الأجواء المتقلبة ؟؟
رابعاً: أحوال المفحطين والمتهورين .
يظن
البعض أن التهور في قيادة السيارة والمجازفة بالتفحيط وارتقاء الرمال كلها سبل
لبلوغ السعادة وذلك نتيجة لما يرون من تصفيق المعجبين وتردد أسمائهم في مجالس
المراهقين ، ولما يجدون من الابتسامات والهدايا وما خفي كان أعظم !!
· هذا أبو خالد ( وهو من المفحطين المشهورين ممن خاض غمار التفحيط وسبر
أغواره حتى أتعب رجال المرور وأتعبوه ) يقول : رسبت سنتين متتاليتين في السنة
الأولى من المرحلة الثانوية بسبب الهروب المستمر من المدرسة .. وقال : " وفي
تلك السنة كانت ظاهرة التفحيط قد بلغت أوج قوتها وانتشارها ، فتعلمت التفحيط على
أيدي جلساء السوء " وقال:" وأنا حين أذكر التفحيط ، أذكر مايجر إليه من
مشكلات ومصائب ، مخدرات ، سرقات ، فواحش ، فكما أن الخمر أم الخبائث فالتفحيط هو
أبوها " .
هذا " المفحط " كان المعجبون يعطونه السيارات الرياضية
والفاخرة ليستعرض بها ، وكانت تنثر عليه الأموال كعطايا وهدايا من أبناء المترفين
ومع ذلك كله يقول :" لم أجد السعادة التي كنت أبحث عنها ، كنت ابتسم وأضحك في
نهاري ، وفي الليل أبكي وأحزن على واقعي الأليم " . وقال :" كنت أشعر أن
بداخلي منادياً يناديني يقول :" هذه ليست رسالتك في الحياة " وأخيراً
يؤكد فينادي قائلاً :" ياشباب الإسلام لن تجدوا السعادة في التفحيط ".
·
وقـفـة
أخيرة ..
لا عجب أن يبحث الكفار عن السعادة في ميادين
اللهو والعبث ، فإن حياتهم كحياة الأنعام بل هم أضل وقد بين الله أن شعارهم في
دنياهم هو( إنما الحياة الدنيا لعب ولـهو وزينة ) أما أبناء الإسلام فإن نظرتهم
للحياة تختلف ، ورسالتهم في هذه الدنيا أكبر من مجرد إشباع الشهوات بأنواعها
يقول تبارك وتعالى )اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ
وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ –
أي الزراع -نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً
وَفِي الأخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ( (الحديد:20)
ثم يقول تعالى )سَابِقُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ
اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(
(الحديد:21) .
ولو كانت السعادة الحقيقية عند المسلم هي اللهو
والعبث ماحذر الله من هذه الحال ولما وبخ أهل النار على عبثهم في دنياهم قال
تعالى )أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ( (المؤمنون:115) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق