شاب يافع تفوق على أقرانه لسنوات ، وشُهد له بالالتزام بالدين ومحبة
العلم الشرعي، والتمكن من بعض مسائلة، ولكن ظهر منه بعد ذلك التراجع والنكوص، واصبح
متساهلاً بل ومُظهراً للمعاصي مجاهراً بها، فكيف السبيل إلى إعادته إلى طريق
الهدى، وهو يحفظ أكثر مما نحفظ ويُحسن من الوعظ ما لا نحسن أو هكذا كان ؟
إن صورا من التساقط
صرنا نراها هنا وهناك في صفوف شباب الدعوة ، شباب يجتهدون في التمسك بدين الله
ويلتزمون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبذلون أوقاتهم في
الدعوة إلى الله ثم يصابون بالخور الإيماني
والفتور الدعوي وقد تكون النهاية الرجوع إلى الضلالة – والعياذ
بالله - .
قد يقول قائل : ما
ضرنا أن يترك فلان الإلتزام وأن يتراجع إلى المعاصي والآثام ؟ ولماذا نلتفت إليه
أو نحزن عليه ؟ إن ارتدَّ هؤلاء على أدبارهم فإن هناك من هو خير منهم ولذا كبر عليهم أربعاً وادعو الله أن يعافيك مما إبتلاهم .
ويُجاب : بأن صدق محبتنا لهم تدعونا للحزن عليهم – والمؤمن لا
يكمل إيمانه إلا بذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى
يحب لأخيه مايُحب لنفسه )) .. وها هو رسولنا صلى الله عليه وسلم يُشفق على مُشركي قريش أن أعرضوا عن رحمة الله ورضوانه قال تعالى : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا
الْحَدِيثِ أَسَفًا " فالرسول
) مع اعتقاده الجازم بأن دين الله ظاهر كما قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) . إلا أن صدق حُبِّه للآخرين ورحمته وشفقته بهم جعلت قلبه صلى الله عليه وسلم في حزن على أحوالهم ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ ) .
وكثيراً ما يتردد هذا السؤال وخلاصته كيف نتعامل مع
المنتكس ؟ والجواب :
ينبغي أن نعلم أن لكل حالة منتكسة وضعها الخاص، وهذا يعني أن
طبيعة التعامل مع المنتكسين ليست على درجة واحدة ولذا يمكن ذكر بعض الوصايا العامة
ولكل أخ أن يختار منها ما يناسب الحالة التي أمامه فمن الوصايا في التعامل مع
الشاب بعد إنتكاسه ما يلي :
1- ينبغي أن نعلم أن
الإنسان الذي عرف الهدى واستقام ثم أنحرف يحتاج إرجاعه إلى صبر وطول نفس والذي
يظهر من التجربة أن مثل هذا الصنف يحتاج
إلى نوعية أخرى تخاطبه غير النوعية التي كان يعيش معها يوم أن كان ملتزماً، والسبب
في ذلك أن هذا الشاب قد يكون حاملاً لانطباع غير جيد عن مجموعته الأولى فيصده ذلك
عن لين الجانب والرضوخ للحق .
2- مثل هذه النوعية لا
يحسنُ أبداً أن يؤتي على سبيل التوبيخ والذم والتقريع، بل يُنصح بالتي هي أحسن،
ويُفتح باب الحوار معه ويُستمع إليه، ويُعطي فرصة ليُبين ما الإشكالات التي أثرت
عليه وتدفع الشبهات وترفع الإشكالات ويؤخذ بيده وما كان الرفق في شيء إلا زانه .
3- من المنتكسين من
يكون في خطواته الأولى للتراجع عن الالتزام فمن كانت هذه حاله فالأولى الاقتراب
منه جداً دون إشعاره بأنه يعامل كمنتكس ، ويشجع على أعمال الخير ويُطالب بحضور
مجالس الصالحين ليرتقي إيمانه فلعل الأمر فتورٌ بعد شِرَه .
4- من المنتكسين من
تحرك في هذا الإتجاه المظلم بسبب بعض الأخطاء التي وقعت عليه من مجموعته الدعوية
أو بسبب عدم تألف بينه وبينهم فينبغي إقناعه بأن المؤمن يتمسك بدينه ولو كان
وحيداً فريداً ، ويبين له أن الالتزام ليس حكراً على هذه المجموعة الطيبة فإن
مجالس الصالحين كثيرة ، فلو عاش مع غير هذه المجموعة لكانت النهاية المشرقة لهذه
المشكلة، وهذا خير له من نكوص وعاقبة غير حميدة .
5- من المنتكسين من لا
علاج له إلا الوعظ والتخويف من الله عز وجل جلاله وذلك على لسان أحد إخوانه في
الله ممن يُحسن الوعظ أو باهدائه شريطً مناسباً يُذكر بالله ويوقظ هذا الغافل
بأسباب سوء الخاتمة ويرغب بنعيم الجنة ويرهب من عذاب الآخرة .
6- وصية مهمة وهي أن
لا تُقطع العلاقة بالشاب المنتكس ولو أصر على نكوصه وجاهر بمعاصيه، فإن من
المنتكسين من يزداد فحشه وفجوره بسبب غلطة الصالحين وشدة تعاملهم معه بعد تغير
حاله، ومادام أنه لم يرتد عن الإسلام ولكن تساهل في مواقعه الذنوب، فإن حق المسلم
مازال باقياً والواقع يشهد أن بعض المنتكسين إنما تراجع لنزوة وشهوة جارفة أخذت به
حتى إذا أروى قلبه المتعطش إلى المعاصي أُصيب بالملل والكلل واكتشف أنها لذة تنقطع
وتبقى حسراتها وعندها يعلم علم اليقين أن لا لذة ولا نعيم ولا طمأنينة إلا
بالالتزام بالدين والسعي فيما يرضى الله عزوجل وحينها سيتذكر أخاه الصالح الذي لم
ينقطع عن الإتصال به والسؤال عن حاله فيسارع إلى لقائه ليُعلن توبته ورجوعه إلى
الله، فيأخذ الداعية بيده إلى طريق الهداية من جديد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق