في بداية الحوار، كيف يحدد موضوعه ؟ الجواب :
1 - أن تبدأ أنت بطرح موضوع تختاره فيتفاعل الجالسون ويحصل
حوارهم معك ما بين موافقٍ ومعارض .
ويسبق
هذا الأمر :
أ – أن
تعلم أنك سوف تطرح الموضوع قبل هذا المجلس ، فيلزم إعداد مادته والرجوع إلى عدد من
المراجع التي تأتي على جزئيات هذا الموضوع ، ويحسن في هذه الحالةالتعرف على
الاعتراضات والرد عليها إن وجدت .ويعتبر ذلك مقدمة علمية لتمهيد الأرضيات الفكرية المشتركة بين طرفي الحوار حتى تمر أفكارهم
في اتجاهي الأخذ والعطاء دون اصطدامات فكرية، أو كوارث عملية.
ب-
أن ينقدح في فكرك طرح هذا الموضوع أثناء المجلس فحريِّ بك أن تتروى في طرحه حتى تجمع بعض النقاط حوله وأن
توازن بين مصلحة إثارته والخوض فيه والمفاسد المترتبة على بيانه .
2 -
أن
يبدأ غيرك بطرح أي موضوع ويرافق ذلك الأمر :
أ -
أن يخبرك بأنه سوف يحاورك فيه قبل لقاءه معك فمن إتمام الفائدة أن ترجع إلى عدد من
المراجع حول نفس الموضوع ليكون الحوار شيقاً مفيداً نافعاً يشعر معه المتحاورون
بالحماسة والحيوية الثقافية ويفيدك ذلك في تقبل كلام الآخر من عدمه .
ب -
أن يُطرح الموضوع بغتة ، فهنا يلزم النظر السريع بين مصلحة التفاعل معه ومفاسده
فليس بالضرورة أن كل متكلم ينبغي أن يُستمع إليه ، بل قد يكون من الأصلح أن يُنبه
أن مثل هذه المواضيع عميقة تحتاج إلى علم وبصيرة وهذان أمران لا تتوفر في الحاضرين
..وقد
يكون الموضوع مناسباً فمن التأدب مع المتكلم أن يستمع إليه وأن يحصل التفاعل مع
كلماته والاستفادة من خبراته .
2) إدارة
الحوار لاتعني بحال أن تستأثر بالكلام لنفسك وتمنع الآخرين من طرح وجهات نظرهم ، والحوار الناجح هو حوار يخلو من الإطالة الزائدة عن الحد، التي تُحَوّل الحوار
إلى خطبة يتشدق فيها كل طرف من أطراف الحوار ويتفاصح بكثرة الكلام، بل وغرابته أحياناً!!،
وهو ما كرهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ..( إن أبغـضـكــم إليّ وأبعدكم
مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قـــد
عـلـمـــنـا الـثـرثــــارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟، قال: المتكبرون), والثرثار:
كثير الكلام تكلفاً، والمتشدق: الـمـتـطـــــاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه
تفاصحاً وتعظيماً لكلامه، والمتفيهق: أصله من الـفـهــــق، وهو الامتلاء، وهو الذي
يملأ فيه بالكلام، ويتوسع فيه، ويغرب به تكبراً وارتفاعاً، وإظهاراً للفضيلة على غيره.
إن الإطالة والتكرار والإسهاب, لا ينتج عنه إلا دفن الفكرة
الرئيسة للحوار وسط هـــذا الكم الكبير من الكلام، ومن ثم: عدم قدرة الآخر على اكتشاف
ما نقصد فضلاً عن فهمه وتدبره؟!
وإذن: فالمحاور العاقل هو من يحـاول الـوصــــول إلى هدف
الحوار من أقرب طريق، ولا يضيع وقته ووقت الآخر في تكرار الكلام والإسهـــاب في المقدمات
التي لا فائدة فيها، بل يقتصر في الألفاظ والكلمات على قدر الحاجة ويوضح فكرته بأقرب
عبارة وأوجز لفظ، فيذكر المحاور فـكـــرته الرئيســة، ثم ينتقل بعد ذلك لتدعيمها بالأدلة،
في إجمال غير مخل، وتفصيل غير ممل.
والواقع المشاهد أن المتكلم إن أطال بكلماته على حساب الحاضرين حصل في
النفوس شيء ، وقد يتبع ذلك الملل والسآمة بينهم .
3) نحو حوار هاديء لا متشنج .
إذا رأيت
من نفسك ارتفاع الصوت وتصبب العرق فهاتان علامتان على شرة غضبك وقد يجرك ذلك إلى
التشنج والتطاول على المقابل والحوار الناجح
هو القائم على التعقل والتروي وضبط النفس وسر نجاح ذلك أن ما ذُكر من صفات
تساعد المستمعين والمتحاورين على قبول الحُجة الصحيحة ورد ما عداها بكل أدب .
4) التعاون
مع الآخرين لتوضيح فكرتهم .
أثناء
الحوار قد تكتشف أن الشخص المقابل لم يفصح عن فكرته جيداً ولم يُحسن توضيحها فيمكن
أن تفتح عليه بسؤال تهديه إلى بيان ما فاته ، وقد تلجئ إلى ضرب مثال يوضح فكرته ثم
تقول : هذا المثال يؤكد ما ذكرت , أليس كذلك ؟ فيجيب هو بالإيجاب ويحصل التوضيح
لفكرة المتكلم دون إساءة له .
5) البدء
بنقاط الاتفاق .
" حين يتحدث
المرء عليه أن يبدأ في حديثه من نقاط الاتفاق فيبدأ بالمسلمات والبديهيات ،
فالحديث على هذا النحو من شأنه أن يطيل أمد الحوار ويجعل بداياته هادئة من ناحية ،
منطقية من ناحية أُخرى وهذا كله مؤشر إيجابي على احتمالات النجاح ، ثم أن البدء
بنقاط الاتفاق قد يفتح آفاقاً للتلاقي لم تكن واردة في الحسبان " .
وبالعكس
تماما ، البدء بنقاط الاختلاف سبب لفشل الحوار وانقلابه إلى جدال عقيم وردود
مكابرة .
6) تشعب
الموضوع يضيع ثمرة الحوار .
كثيراً ما يتشعب موضوع المناقشة ، ويمضي في
أمور فرعية بعيدة عن الأصل وأيضاً لا طائل من ورائها فيصبح الحديث ذو شجون ، فإذا
رأيت المناقشة قد انحرفت عن مسارها فأعدها إليه ، وحاول أن تقطف ثمرة المناقشة ،
بوضع حدٍّ لاستطردات المتحاورين لئلا يضيع وقتك ووقت الحاضرين .
· ومن
الناس من يشتت موضوع الحوار كسبيل للهروب من ضعف حُجته فإيقافه متأكد لمصلحة
استفادة الحاضرين فتأمل .
7)
الفهم الخاطئ يقتل الحوار .
قال
يحي بن خالد – رحمة الله - :" لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإنَّ
ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، ويؤكد
الجهل عليك ، ولكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ،
ولا تستح أن تستقيم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حمق .. "
إذا
لم يكن لك حُسن فهم أسأت إجابةً وأسأت
فهماً
8)تحديد مرجع الموضوع قبل الحوار فيه .
لكل
موضوع مرجع يُرجع إليه للتعرف على أصوله ، وهذا يصدق على المواضيع الشرعية
والدنيوية ، وهذا مفيد عند الاختلاف في أي قضية .
· ففي القضايا الشرعية : عند
اختلاف وجهات نظر المتحاورين يرجع إلى الكتاب والسنة .
قال تعالى : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ
مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" الشورى: 10
وقال تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"(النساء: 59)
·
وفي القضايا الدنيوية
: يُرجع
فيها إلى أهل الاختصاص عند اختلاف الاراء ما لم يكن فيها محذور شرعي .
وما لم تتوافر هذه الأصول والمراجع فإن الحوار
سوف يسير في دائرة مغلقة تطول ولاتصل إلى نهاية .
9) تعصب للحق لا للرأي الشخصي .
فإن من الناس من " يدخل مساحة الحوار
لا للبحث عن الحق ، ولكن لتقرير الرأي والمدافعة عنه ، والتعصب له ، فليس عنده
الاستعداد أبداً أن يتنازل عن رأية حتى لو تبين له خطؤه ! "
وكل ذلك يدل على أن المرء إنما يريد
الانتصار للنفس والعلو على الغير واستعراض القوة والقدرة على الغلبة والظهور بمظهر
الأستاذية والذي ينبغي للإنسان الصادق أن يتعصب للحق ويدور معه حيث دار والأ يتكبر
فيرد الحق ويغمط الناس .
قال الشافعي – رحمة الله - : " ما ناظرت
قط أحداً على الغلبة ، وبودي أنَّ جميع الخلق يعلمون كتبي ولا ينسبون إلي منها
حرفاً " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق