الجمعة، 15 يوليو 2016

الشباب والتقليد الأعمى .


"التقليد" كما يُعرفه علماء اللغة هو "إتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقداً الحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل فكأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه ... " .
أما "التقليد الأعمى" المراد في هذه الرسالة فهو :"ما سلكه الشباب المسلم محاكاة للكفار وتشبهاً بهم دون وعي" وسوف نؤكد على خطورة محاكاة الشباب الغربي في الملبس والمركب والأخلاق، والتي قد تكون بداية للنهاية المؤلمة وهي الانصهار في عقائد النصارى أو الردة عن الدين – والعياذ بالله- .
1- لماذا الحديث عن "التقليد"؟
يُسطر المؤلفون الرسائل والمصنفات في آفة "التقليد" ويحذر الناصحون منها على المنابر وفي المنتديات، وما ذلك إلا لخطورة هذه الظاهرة على عموم الأمة فضلاً عن خاصة شبابها، وخطورة "التقليد الأعمى" تظهر في عدد من العواقب الوخيمة، وهذا سردٌ لأهمها :
أولاً : التقليد قد يكون سبباً للكفر والإلحاد .
فلقد اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أناس ماتوا على الكفر محاكاة للكافرين فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم فإذا انصرفوا أتاه ملكان فيُقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل –أي محمد صلى الله عليه وسلم- فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبدالله ورسوله، وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه ... ) الحديث رواه البخاري ومسلم .
فالأمر عند هذا الصنف من الناس إنما هو مجردُ تقليد لا يقين معه ولا اعتقاد، لذا كانت عاقبتهم الهلاكُ والبوارُ في الآخرة .
ثانياً: التقليد سبيل صحبة الكافرين
فمن خطورة ( التقليد الأعمى ) أنه ( يقود إلى صحبة المُقلَّد –شاء المُقلَّد أم أبى- ذلك أن المحاكاة في الظاهرة تؤدي إلى المحاكاة في الباطن ولو بعد حين. فالتقليد صلة روحية بين المُقلِّد والمُقلَّد إما بشكل مباشرة وعنيف ودفعة واحدة كما حدث في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك وإما بشكل تدريجي سريع أو بطيء كما يحدث في كل زمان ومكان بين كل مقلِّد ومقلَّد .
وها هو( ليوبولدفايس ) بعد أن هداه الله إلى الإسلام وسمى نفسه (محمد أسد) يُشير إلى ذلك فيقول: (إذا حاكى المسلم أوروبه في لباسها وعاداتها وأسلوب حياتها فإنه يتكشف عن أنه يؤثر المدنية الأوروبية مهما كانت دعواه التي يعلنها، وإنه لمن المستحيل عملياً أن تقلد مدنية أجنبية في مقاصدها العقلية والبديعية من غير إعجاب بروحها وإنه لمن المستحيل أن تُعجب بروح مدنية مناهضة للتوجيه الديني وتبقى مع ذلك مسلماً صحيحا) .
ثالثاً : التقليد سبب لانحراف المفاهيم الشرعية
فبسبب (التقليد الأعمى) للحياة الغربية وأنماط سلوكها، انقلبت كثير من المفاهيم إلى معان مغلوطة، فالتفلت والتمرد صار حرية شخصية والنصيحة للشاب وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أصبح تدخلاً في الأمور الفردية وتعدياً على حريات الآخرين، والبعضُ تشرب قناعة منكرة مفادها (أن لا حضارة ولا تطور إلا بركوب مسالك الغرب خيرها وشرها ولا رجعية ولا تدهور إلا بالتمسك بالدين والانقياد لشرائع الإسلام) .
رابعاً: التقليد سبيل لمسخ الشخصية الإسلامية
فالمُقلِّد يُلغي بتقليده وجوده ويقضي على شخصيته ويغمض عينيه ليرى بعيون الآخرين ويصم أذنيه ليسمع بآذانهم، ويوقف حركة عقلة وتفكيره ليفكر بعقولهم.. هذا في التقليد ككل فكيف إذا كان التقليد في الضار دون النافع والخبيث دون الطيب، إنه حينئذ لا يكون مسخاً للشخصية الإسلامية فحسب، بل إلغاء لها ونزولاً بها إلى درك العجماوات التي يقود قطيعها واحد منها فيسقط القطيع كله متتابعاً إن سقط ذلك الواحد ويستمر مستقيماً في سيره إن استقام.
ولهذه المحاذير ولغيرها، حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من (التقليد الأعمى) وسماه (إتباع السنَّنَ)، وذلك فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) رواه البخاري.
وجاء في رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أُمتي مأخذ القرون، شبراً بشبر وذراعاً بذراع فقيل يا رسول الله: كفار فارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك؟) رواه البخاري .
ويلحظ المتأمل لهذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُخبر بما أخبر لمجرد العلم بل أراد التحذير من ذلك (التقليد) البالغ الدقة فهو (شبر بشبر وذراع بذراع وأنه لو دخل اليهود والنصارى جُحر ضب لدخله بعض المسلمين وراءهم) وفيه تعبير غاية في الدلالة على خطورة السير في نفس الخُطى .
وفي هذا الزمان ها نحن نرى ما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم وحذرنا منه ونكتوي بناره ونتألم من أثاره ونشتكي إلى الله من عواقبه) .
2- أسباب "التقليد" للمظاهر الغربية.
إن التفات الشباب للمظاهر الغربية وتقليدهم لأنماط سلوكها له أسباب كثيرة، من أهمها :
أولاً: التربية الخاطئة :
وهذه التربية قد تكون في المنزل بين والدين ممن تشربوا الحياة الغربية واعجبوا بمنهجها فيؤثرون على أبنائهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) .
فالشاب يبقى على فطرته الدينية وحيائه، فيُبتلى بوالدين قد انمسخت فطرتهما فيحرفانه عن الصراط المستقيم إلى سُبل الشياطين ومن التربية الخاطئة إهمال الوالدين لشذوذ أولادهم في الملبس والحركات فلا نصح لهم ولا تحذير وكلٌ يفعل ما شاء كما يشاء .
فكيف يرتاحُ للبلـوى أخـو شمم     وعينه تبصـر الأشـرار يبغونا
وكيف يسكت ذو حق وقد عبثت     بحقه عصـبةٌ تقفـوا الشياطينا
عافت هُدى الله وانقادت بعاطفـة     معصوبة العين لم تعرف موازينا
ثانياً: التأثر بالقرناء المعجبين بالنمط الغربي
فإن كثيراً من الشباب يخرجون من بيوت محافظة لا تقبل بالنمط الغربي لا في الملبس ولا في غيره، ولكن هؤلاء يخالطون أصحابهم في الحي أو في المدرسة فيرونهم يستحسنون تلكم الملابس الغربية فيقلدونهم، وهذا التأثر أخبر عنه صلى الله عليه وسلم فقال: ( الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل؟) .
وقال الشاعر:
عن المرءِ لا تسئلْ وأبصر قرينَهُ     فكُلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي
وهذا السبب لتقليد الغرب هو الغالب في واقع الشباب .
ثالثاً: حُب الشباب للظهور بغير المألوف
فبعض الشباب لا همَّ لهم إلا محاولة الظهور بهيئة غير مألوفة وكأن أحدهم يريد أن يرفع لافتة ( خالف تُعرف ) فتقليدهم للنمط الغربي ما هو إلا أسلوبٌ لجذب انتباه الآخرين ولفت الأنظار .
رابعاً: تقديس الموضة .
فمن باب التزيين الشيطاني وُصف مُتبع الموضة بأنه (إنسان عصري)، وهذه الخدعة انطلت على أفواج من الشباب المسلم فبذلوا لها الغالي والرخيص في سبيل (الموضة) وترى الواحد منهم يتكدر ويشقى إذا لم يلحق بركابها، وهذا التقديس للموضة جعل من الزينة المادية همَّ الشباب الأول، وتبع ذلك طاعة مُصممي الزينة طاعة عمياء، ومعلومٌ أن اشتغال حواس الإنسان بالمظاهر والموضة الفاسدة يُصرفه عن الجواهر المفيدة، ويحرمه منها فضلاً عن انشغاله عن مهمات الأمور فيبقى في تخلُفٍ وانحطاط فيسهل افتراسه من جهتين: أولها: بالتحكم فيه لإبعاده عن القيم والمبادئ الأخلاقية النبيلة، وثانيها: يسهل سلخه عن دينه، وتحويله إلى الوجهة التي يريدها له أعداؤه وأعداء دينه وأمته .
وها أنت ترى مُصدَّري الموضة يتلاعبون بعقول من يتبعونهم، ويشكلونهم كيفَما شاءوا.. فتارة يجعلون الرجل أُنثى، وتارةً يجعلونه بهيئة الحشرة، وتارة متوحشاً.. وهلمَّ جرا ..  .
وتقديس الموضة قد يصل بالبعض إلى الاستسلام والانقياد لتنوعها دون حدود أو قيود ولو كان بإتباعها خلع الحياء وتجاوز الضوابط الشرعية وهذا ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبودية القطيفة ودعا على أهلها قال صلى الله عليه وسلم: ( تعسَ عبدُ الدينار والدرهم والقطيفة...) فالهلاك والبعد والانحطاط لكل من عبد الثياب وخالف ما أباح الله له  .
خامساً : جهل الشباب المسلم بحقيقة دينه
فكثير من الشباب يجهلون عظمة دينهم وارتفاع قدره ويتناسون أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده دون سواه قال تعالى : (إن الدين عند الله الإسلام)
وقال تعالى: (ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) .
ومما ساعد على الجهل بعظمة دينهم إعلامٌ يتناساه وتربيةٌ تتجاهله ولما غاب عنهم ذلك كله صاروا يتخبطون في أودية الشرق والغرب يقلدون هذا تارةً وذاك تارةً أُخرى لا يعتزون بدينهم ولا يصطبغون بصبغة إسلامهم .
سادساً: جهل الشباب المسلم بحقيقة الحضارة الغربية
فمن ناحية أخرى تجد الشباب المسلم يجهلون حقيقة الحضارة الغربية الزائفة وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الروحي والنفسي، فإن عنصر الإنسان عندهم فقد قيمته وصارت حياتهم للمادة والمتعة واللذة ليس إلا ..
ويشهد لما ذكرنا دراسة علمية أجراها الباحثان (جيمس باترسون) و (بيتركيم) على بني قومهم فكانت هذه الأرقام التي تفصح عن انحطاط أخلاقي لا مثيل له.. جاء في هذه الدراسة ما يلي :
74% قالوا: لن نتردد في السرقة متى ما وجُدت الفرصة .
56% قالوا: لن نتردد في قيادة السيارة ونحن في حالة سكر .
41% قالوا: سنستخدم المخدرات للترفيه عن النفس .
53% (من المتزوجين) قالوا: لن نتردد في الخيانة الزوجية .
91% قالوا: إن الكذبَ أصبح عادةً وسلوكاً مألوفاً في الحياة اليومية .
82% يمارسون الزنا وكأنه أمر عادي لا يندمون عليه  .
وهذه الأرقام الناطقة والحقائق الجلية تخفى على كثير من الشباب و إلا لكانت نظرتهم للحياة الغربية أكثر واقعية، وحينها يسقط الإعجاب والانبهار وما يتبعهما من تقليد وانصهار .
سابعاً: ضعف المسلمين مادياً وقوة الكافرين في هذا الجانب .
والذي أدى إلى الانبهار بهمَّ ومن ثم تقليدهم فيما وراء ذلك، والتسليم لهم في أنماط الحياة كُلَّها في نهاية الأمر، والحقيقة الغائبة عن هؤلاء المقلدين هي أن تقليد الكافرين في لباسهم فقط لن يأخذ بأيدي المسلمين للتقدم والتقنية الحديثة .

يقول أبو الأعلى المودودي: (فهل لأحد عنده العقل أن يعتقد أن كل ما أحرزه الغرب من التقدم والرقي في مختلف حقول الحياة إنما أحرزه بالجاكيت والبنطلون وربطة العنق والقبعة والحذاء؟!)  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق