أين
الخاشعون ؟ أين أولئك الذين خشعت قلوبهم فظهر ذلك على جوارحهم ؟ أين الذين إذا
دخلوا في الصلاة لم يتفكروا إلا فيها , لأنها أغلى ما لديهم ؟ أين الذين إذا تُليت
عليهم آيات الله اقشعرت لها جلودهم ( الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً
مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك
هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ).
هؤلاء
القوم يتلقون الذكر العظيم في وجل وارتعاش وفي تأثر شديد تقشعر منه الجلود ثم تهدأ
نفوسهم وتأنس قلوبهم بهذا الكتاب الجليل فتلين جلودهم وقلوبهم وتطمئن إلى ذكر الله
* الخشوع صفة عظيمة, لا تكون إلا بقلب عامر بالإيمان واليقين, قال ابن القيم : ( خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء, فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء وشهود نعم الله وجناية العبد, فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح ).
* الخشوع صفة عظيمة, لا تكون إلا بقلب عامر بالإيمان واليقين, قال ابن القيم : ( خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء, فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء وشهود نعم الله وجناية العبد, فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح ).
ومع
أهمية الخشوع في الحياة كلها , وتأكده في الصلاة خاصة إلا أن الكثيرين غفلوا عنه
وتناسوه حتى تكاد لا تجد خاشعاً , يقول جبير : قال عبادة بن الصامت – رضي الله عنه –
( أول علم يرفع من الناس الخشوع, يوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى
فيه رجلاً خاشعاً ) . وقال
حذيفة - رضي الله عنه – ( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون من
دينكم الصلاة ، ورب مصل لا خير فيه. ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم
خاشعاً ).
والخشوع
في الصلاة هو: حضور قلب المصلي بين يدي الله تعالى، مستحضراً لقربه،
فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته ويقل التفاته، متأدباً بين يدي ربه،
مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس
، و الأفكار الرديئة, وهذا روح الصلاة، والمقصود منها. وهو الذي يكتب للعبد. فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن
كانت مجزية مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها.
*
وواقع الحال يشهد بوجود مظاهر عديدة لعدم الخشوع في
الصلاة نذكر منها مايلي :
أولاً :السعي إلى الصلاة والدخول فيها بقلوب مضطربة
وأجساد لاهثة, وكل ذلك بسبب الهرولة للحاق بالصف,
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون
وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) رواه
البخاري .
ثانياً : كثرة الالتفات في الصلاة , وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفعل بـ(اختلاس الشيطان ), سألت عائشة رضي الله عنها
الرسول صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : ( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة
العبد ) رواه البخاري . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله : (لا يزال الله مقبلاً على العبد في
صلاته ما لم يلتفت, فإذا صرف وجهه(أي العبد ) انصرف (الله)عنه ).
ثالثاً
: العجلة في فعل الصلاة , فبعض المصلين لا يكاد يركع حتى يرفع ولا
يكاد يسجد الأولى حتى يسجد الثانية !! وكذلك من يرفع رأسه من الركوع و قبل أن يستقر
ينخفض وهذا لم يسكن لأن السكون هو الطمأنينة
بعينها، ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ، ومن لم يخشع كان آثما عاصيا.قال
أهل العلم : وهذا الفعل منهم خلاف الطمأنينة الواردة في الحديث فلا بد من المكوث
في الركوع أو السجود بقدر ما يتمكن من الإتيان بالتسبيح الواجب مع التؤدة وعدم
العجلة , وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن( نقرة كنقرة الديك والتفات كالتفات الثعلب), وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرق الناس, الذي يسرق من صلاته, لا يتم ركوعها ولا سجودها).
رابعاً
: كثرة الحركة في الصلاة لغير حاجة ,فمرة تجد المصلي يُكثر من العبث بثوبه
أو يكرر إدخال يده في جيبه, وقد قسم العلماء الحركة الزائدة في الصلاة إلى عدة
أقسام منها المكروهة والمحرمة, فأما المكروهة فهي الحركة اليسيرة بلا حاجة,
وكراهيتها لأنها عبثٌ مناف للخشوع , وأما الحركة المحرمة فهي الكثيرة المتوالية
التي تفسد صورة الصلاة بالكلية .
* وجلب الخشوع للقلب أثناء الصلاة له أسبابه الكثيرة, ومن أهمها :
أولاً
: تجنب الصلاة أمام التصاوير والزخارف الصاخبة في السجاد وعلى الجدران , ومن ذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرة وأمامه قماش فيه تصاوير فقال منزعجاً : ( كنت أنظر إلى علمها (
أي صورها ) وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني ) ثم أمر صلى الله عليه وسلم بإزالة هذا القماش
تحرياً للخشوع .
ثانياً
: تجنب الأماكن المزعجة بكثرة المارين أو بضجيج الأصوات, فيتجنب
المصلي الصلاة في الطرقات وفي ساحات المنزل التي يلعب فيها الأطفال .
ثالثاً
: تجنب الروائح الكريهة , فمعلوم أن الصلاة بجوار مكان قذر أو الصف في
المسجد بجوار رجل من المدخنين أو ممن أكل البصل أوالثوم فكل ذلك مما يُشغل عن
الخشوع, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل
مسجدنا وليقعد في بيته ).
رابعاً
:
الحرص على الإقتداء بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح , فكان إذا صلى صلى الله عليه وسلم الركعات
فلا تسأل عن طولهن وحُسنهن, وكان إذا سجد أطال الدعاة والمناجاة , خشع صلى الله عليه وسلم قلبه
فخشعت جوارحه, وهكذا حال السلف الصالح, قيل لأحدهم : هل تذكر شيئاً في الصلاة ؟
فقال رحمه الله : وهل شيءٌ أحبّ إلي من الصلاة فأذكره فيها !!وذُكر عن أحد
الصالحين أنه كان إذا صلى أقبل على ربه حتى يظن الناظر إليه أنه جماد لا يتحرك,
وإن كانت الطير لتقف على كتفيه وهو في خشوعه لا يشعر بها .
خامساً
: أن يتجنب المصلي كل ما يشغله كمدافعة الأخبثين أو تأخير الصلاة إلى وقت النوم , وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد, حتى يذهب عنه النوم, فإن أحدكم إذا
صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه), وهكذا من يصلي وقلبه متعلقٌ
بالعشاء من شدة الجوع
سادساً
: الحرص على الصلاة مع الجماعة في المساجد, فإن غالب من يصلي
منفرداً في بيته أو دكانه لا يجد الخشوع بل تحوطه الوساوس والأفكار ويستحوذ عليه
الشيطان من كل جانب , ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من ثلاثة في قرية, ولا بدو لا
تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان, فعليكم بالجماعة , فإنما يأكل الذئب
من الغنم القاصية ) .
* ومما يحسن التنبيه عليه في ختام هذا المقال, أن نُذكر بأمرين :
الأول
: هل من الخشوع إغماض العينين في الصلاة ؟والإجابة بالنفي لأنه لم
يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغمض عينيه في الصلاة .قال ابن القيم - رحمه
الله - : (و قد يدل على ذلك ، مد يده في
صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار ... وكذلك حديث
مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه ... فهذه الأحاديث وغيرها يستفاد من
مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة .
وقد
اختلف الفقهاء في كراهية تغميض العينين, قال ابن القيم رحمه الله :
( والصواب أن يقال :إن كان تفتيح العين لا يخل
بالخشوع ، فهو أفضل . وإن كان يحول بينه وبين الخشوع - لما في قبلته من الزخرفة و
التزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه - فهنالك لا يكره التغميض قطعاً ، والقول
باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة والله أعلم
). ولكن لا يتخذ ذلك سنة دائمة, بل يفعلها عند الحاجة فحسب.
وثاني
ما يتأكد التنبيه عليه : الحذر من خشوع النفاق , فلقد أخرج الحكيم
الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
تعوذوا بالله من خشوع النفاق. قالوا يا رسول الله وما خشوع النفاق؟ قال: خشوع
البدن، ونفاق القلب )
فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنما أظهر
نفاقاً على نفاق . قال ابن القيم : ( وكان بعض الصحابة رضى الله عنهم وهو حذيفة
يقول : ( إياكم وخشوع النفاق فقيل له : وما خشوع النفاق قال : أن ترى الجسد خاشعا
والقلب ليس بخاشع ) . وقال الفضيل بن عياض : ( كان يُكره أن يري الرجل من الخشوع
أكثر مما في قلبه ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق